سام الغُباري
اليوم رمضان، ولم يصم «عبدالملك بدرالدين» عن الحرب، ينغمس في دماء اليمنيين كولع أسلافه السلاليين في معركة لا يمكن القبول مطلقًا باجتزائها عن سياقها التاريخي - الديني، واعتبارها نزوة ثورية اجترها «شباب ضالون» عن تجربة أخرى، ظنّوا أنها تلائم شعوبهم المدفونة في الركام، فخرجوا بالسلاح والأناشيد لقتال اليمنيين على حُكمهم، وأثبتوا «عنصرية» خطيرة قسّمت المجتمع إلى مجتمعين متفوِّقين في البغضاء، يتمنى كل منهما لو أن هذا الآخر يختفي عن الأرض.
ذلك ما صنعه المستوطنون الحوثيون، وما سيجنون مرارته غدًا، وقد عمّقت وسائل التواصل الاجتماعي تفاصيل «الغزو من الداخل»، كيف تنقلب عليك سلالة موهومة بالقداسة من العمق؟ تتسرَّب من الأحياء السكنية، وتذهب مترنحة ومُشبّعة بالدم كحالة «الزومبي» إلى قبور أسلافها فتنشد عليهم طقوسها لتجلب معها أرواحهم الشريرة، تضربك من الخلف بمنجل، فيما يعانقك آخر من الأمام، فلا تدري أيهما طعنك، غادر الظهر أم مبتسم الوجه، وتلك أقسى لحظات الموت التائه.
فعلوا ذلك مع الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، قتلوه علنًا، وخرج قاتله مفاخرًا أمام الشاشات قائلاً: أنا قتلته! وأخرج من جلبابه الملطخ بالدم مشاهد موثَّقة بالصوت والصورة تروي لحظات الموت الحزين لرئيس حكم اليمن 40 عامًا (رئيسًا وزعيمًا)، أراد له الله أن يموت مغدورًا على أيدي هذه السُّلالة التي نقضت حلفها معه وأردته صريعًا في ضربة دفعت ضريبتها من دماء أنصارها على الساحل الغربي لليمن الجميل، وصارت وحيدة بلا حُلفاء سوى جهد ضائع لمغرّديها الذين يستميتون في جلب من يستطيعون من المفجوعين المشردين خارج وطنهم لتثبت لنفسها - فقط - أنها قادرة على إعادة تطمينهم بالعودة سالمين معافين، إلا أن تلك المنشورات البائسة لا تكفي، فجماعة كهذه لا تصوم عن الدم أبدًا.
عقب وفاة صالح المؤلمة، دفع أنصار «عبدالملك بدرالدين» بقائمة طويلة من اليمنيين الحقيقيين لمصادرة أملاكهم ودفعها إلى أملاك المستوطنين الفارسيين، وعلى رأس القائمة نجل الرئيس الراحل (السفير أحمد)، اجتاحوا منازله وأخذوا كل ما يملك، قطعوا كل شجرة يحتفظ بها في فنائه الخاص، هتكوا أسوار وطنه وأسرار بيته، وقتلوا أباه. ثم جاؤوا بمجموعة من الممثلين الكوميديين لأداء مسرحية تنصيبه نائبًا ثانيًا لرئيس المؤتمر الشعبي العام، يأملون تعاطفه والأخذ بيده إلى واقع سلطتهم، مستفيدين من مساحة الألم الشخصي للسفير في ظل استمرار العقوبات الدولية عليه وعلى والده وشقيقه خالد، وهي عقوبات لم تعد طبيعية في ظل الوضع القائم حاليًا، غير أن مسرحية التنصيب الحزبي للسفير أحمد علي عبدالله صالح في صنعاء المحتلة تسيئه ولا تنجيه، وقد تكون تداعياتها أكثر ضررًا عليه، مثيرة تساؤلات صعبة عن حقيقة دوره في الانقلاب المأساوي على سُلطة الرئيس هادي المنتخبة.
الصمت الذي لا يُفسره شيء من جهة السفير «المعاقب» ينثر الشائعات ويطير بها إلى أقاصي درجات الظن السيئ، فيحدث الإثم - إثم الظن - وأولئك الذين يظن السفير أنهم يهتمون به، إنما يغرسون الطعنة في ظهره كما تفعل الإبر الصينية، بهدوء تسري في الجسد خدرًا لذيذاً وتتراكم الإبر وتنفذ الطعنات حتى يصبح الجسد هامدًا كجثة تتنفس لكنها لا تقوى على الحراك.
اغتيال السفير أحمد بالسياسة والمكر، يتبع اغتيال والده وتفجير رأسه، مذبحة صامتة وصاخبة لعائلة أخرى من عائلات اليمن الجمهوري، ولأني مضطر دائمًا لقول ما لا شأن لي فيه إلا وشائج صداقة باردة احتفظ بها كيمني علّمه والده قيمة الأصدقاء في مثل هذا الزمن العجيب، أقول للسفير العزيز: إن الصوم عن الكلام اليوم، كالإفطار في نهار رمضان.. مُحرّم ومُجرم.
ورمضان مبارك.
وإلى لقاء يتجدّد