د.عبدالله بن موسى الطاير
كنت بالصدفة وفي إطار بحثي في شؤون اليمن قد عثرت على وثيقة أمريكية عمرها 42 عاماً تتحدث عن اغتيال الرئيس اليمني إبراهيم الحمدي. ولذلك حرصت على مشاهدة برنامج قناة الجزيرة الوثائقي الذي عنونته بالغداء الأخير للحمدي. شاهدت البرنامج كاملاً على اليوتيوب، وهو بكل مشاهده مقدمة لرسالة غبية عن علاقة السعوديين بتلك الجريمة.
وزير خارجية قطر السابق حمد بن جاسم لطالما ظهر على شاشة القناة متذمراً من الصداع الذي سببته الجزيرة لوزارة خارجيته. ذلك إيهام بأننا أمام قناة إعلامية «مستقلة» تشن حرباً حقيقية على السعودية. ولو كانت هذه الحرب الإعلامية مصدرها القنوات الرسمية لتفهمتها ضمن سياق الإعلام الوطني. وفي الوقت ذاته لا أجد لقناة الجزيرة، التي تحوّلت إلى وكر لمجموعة من المرتزقة، كنا ذات يوم ننظر لهم كإعلاميين محترفين رغم اختلافنا مع وجهات نظرهم، مبرراً سوى التآمر على قيادة وأمن المملكة العربية السعودية واستقرارها.
اختزلت معظم برامجها في محاولات الإضرار بالمملكة تارة بإغراق المتلقي بالمعلومات الكاذبة، وأخرى بصناعة أحداث ومن ثم تغطيتها بشكل مكثّف ومتصل كإقليم المهرة اليمني، وتارة باستئجار مرتزقة يقفون أمام البعثات السعودية وتسليط الضوء عليهم في الأخبار والعواجل، وتوسعت في نبش قضايا كاغتيال الحمدي وتغليفها بإطار مهني مزعوم ووثائق مجتزأة تخدم أجندتها. ناهيك عن تسخير كل إمكاناتها التحريرية للبحث عن أي خبر يسيء للسعودية.
الكثير ممن أتحدث معهم حول القناة لم يعد يساورهم شك بأنها اليوم نسخة مكرورة من قناة الإصلاح التي يديرها الفقيه من لندن، ومحتوى حساباتها على شبكات التواصل الاجتماعي ليس بأفضل حالاً من حساب «مجتهد». وإذا كانت القناة قد سقطت أخلاقياً ومهنياً خلال هذه الأزمة التي ستجد لها حلاً في يوم ما، فإن العاملين فيها من معدين ومذيعين ومراسلين هم أعداء حقيقيون يسخِّرون كل مواهبهم لإلحاق الضرر بالمملكة العربية السعودية.
لا أشك ولو للحظة بأن دراسة في تحليل مضامين برامج الجزيرة وتغريداتها، ومراقبة توجهات فريقها الظاهر على الشاشة، ستدين القناة والعاملين فيها بنشر خطاب الكراهية والاستعداء، وتزوير الأحداث، وفبركة الأخبار، وتغطيتها من أجل إحداث فوضى في بلادنا. هكذا ممارسة تخرج على الحق في ممارسة الحرية الإعلامية، إلى مجال الدعاية السياسية الرخيصة.
الغداء الأخير مجرد كذبة في سلسلة تدليس الجزيرة المتعمد، حيث حاولت جاهدة أن تسبغه بدمغة البرامج الاستقصائية القائمة على تتبع الوثائق ومقابلة الشهود، ولكن كل ذلك الجهد لا يعدو أن يكون دعاية في حرب إعلامية تشنها على المملكة. فاغتيال الحمدي فيه معلومات ووثائق أخرى لم تتطرق إليها القناة، ومن ذلك الوثيقة رقم 1977SANA04080 من الملف رقم D770381-0030 ويعود تاريخها إلى 17 أكتوبر 1977م وموضوعها (سرية) «محاولة اغتيال الرئيس الغشمي»، ومدة سريتها 25 سنة. وهي عبارة عن برقية مصدرها السفارة الأمريكية في صنعاء، موجهة إلى جميع السفارات الأمريكية في المنطقة بما فيها إسرائيل، إضافة إلى لندن والعاصمة واشنطن. وتضمنت الوثيقة أربع فقرات: الأولى تشرح ما نقله المبعوث الخاص للرئيس اليمني آنذاك أحمد الغشمي إلى السفير الأمريكية في صنعاء حول تعرضه صباح 17 أكتوبر 1977م لمحاولة اغتيال، وأن أحد الجناة وهو زيد الكبسي ينتمي إلى السادة الهاشميين (السلالية) بكسر السين، المعروفة بولائها القوي للإمامية. وتبيّن الفقرة الثانية من البرقية أن الرئيس ومَن حوله أصبحوا يعتقدون الآن أن الرئيس الحمدي وأخاه قد اغتيلا من قبل الهاشميين، واستطردت السفارة الأمريكية مشيرة إلى أن السفير اليمني يحيى المتوكل يخضع للمراقبة الشديدة بسبب اجتماعات له في ذلك الصيف في أوروبا مع مجموعة من الهاشميين قيل إنها تخطط ضد النظام الحاكم في اليمن. ونقل المبعوث الخاص للرئيس الغشمي للسفير الأمريكي أن «الرئيس الغشمي في حالة معنوية جيدة ... وهناك مخاوف، من المزيد من محاولات الاعتداء على حياته أو على أعضاء آخرين من فريقه. أما في الفقرة الرابعة والأخيرة فكتب السفير بأنها المرة الأولى التي يشار فيها إلى تورط الهاشميين في اغتيال الحمدي، وأن هذه الرواية منتشرة في اليمن، مشيراً إلى عدم توفر رواية موثّقة عن اغتيال الحمدي.
الجزيرة لا تمارس إعلاماً مهنياً، بقدر ما تبث برامج دعائية موجهة ضد المملكة. لا أدري ما إذا كان من المناسب مقاضاة هذه القناة والقائمين عليها؟ ذلك شيء يقرّره المختصون.