د. أحمد الفراج
تبدو منطقة الشرق الأوسط حاليًّا في حالة من السوء، لم تشهدها من قبل، فهناك دول ترزح تحت احتلال أو وصاية، وهي التي كانت دولاً مستقلة، قبل سنوات قليلة فقط، وكنا نظن حينها أن هذا هو منتهى السوء، الذي بلغته هذه المنطقة، التي كُتبت عليها النكبات منذ زمن طويل، فحال العراق لا يسر، وهو الذي نهبت إيران خيراته وعبثت فيه، عندما تفرّغت للتوسع، وصدّرت له الساسة الطائفيين، والدراويش المعممين، الذين كانت مهمتهم نشر الخرافة والدروشة، حتى يسهل العبث بعراق الرشيد، فهذا هو ذات العراق، الذي كانت مكوناته العرقية والدينية تتعايش مع بعضها بسلام، وتتزاوج دون أن يكون المذهب محلا للسؤال، في ذلك الزمن الجميل، الذي كان يعج العراق خلاله بالعلماء، وكانت جامعاته وجهة تعليمية، يطمح الطلاب العرب إلى النهل من معارفها.
أما سوريا، فلا أحد يعرف على وجه الدقة كيف سيكون مستقبلها، بعد كل الأحداث الجسام التي مرت بها، فمن خطوط أوباما الحمراء، التي كانت ستنهي المعاناة مبكرا، وتوقف سلسلة المجازر والتهجير، والتي تنازل عنها، إرضاءً لملالي طهران وخوفًا منهم، عندما هدّدوه بالانسحاب من مفاوضات الاتفاق النووي، إن هو حزم أمره، وتعامل مع الأمر كزعيم للعالم الحر، وقد بدا الأمر طريفًا، عندما تحولت خطوط أوباما الحمراء للنظام السوري، إلى خطوط حمراء له، من قبل نظام طهران، في فنتازيا سيتحدث عنها المؤرخون طويلا، والأطرف من كل ذلك، هو أن تراجع أوباما، كان في سبيل الحفاظ على إنجازه الوحيد، أي الاتفاق النووي، الذي لم يمض عليه وقت يذكر، حتى انسحب منه الرئيس ترمب، الذي كان قد عاهد نفسه وناخبيه أنه سيمسح كل تاريخ أوباما!
وإذا كانت حكومة إيران التوسعية هي المسؤولة عن حال العراق بشكل كامل، وعن حال سوريا بشكل جزئي، فإنها أيضًا تركت بصماتها على لبنان، أحد معاقل العلم والثقافة، الذي اتشح بالسواد، سواد عمامة حسن نصر الله، الذي لا يفتأ يخرج بين الحين والآخر من سردابه، ليعلن على الملأ تبعيته المطلقة لطهران، والتزامه بتنفيذ أجندتها التي لا تشبه لبنان، ولا يتورع عن تهديد كل من يحاول إنقاذ لبنان من محنته، وبالذات المملكة، التي يعرف أنها قادرة على حماية هذا المعقل العربي الهام، ولأن هذا هو حال الشرق الأوسط، فإن قرار الرئيس ترمب بمحاصرة إيران، التي لها اليد الطولى فيما وصل له حال هذه المنطقة المضطربة، يعتبر قرارًا مهمًّا، يأمل المراقبون من خلاله أن تتمكن دول الاعتدال من تصحيح المسارات الخاطئة، لأن عدم التدخل والتصحيح يعني ببساطة المزيد من الفوضى والزلازل والبراكين، التي لا يمكن سبر مداها، وهو ليس في صالح المنطقة ولا العالم أجمع، فهل يا ترى ينجح ترمب وحلفائه في المنطقة من تصحيح كوارث أوباما؟!.. هذا ما سنعرفه مستقبلا!