د. جاسر الحربش
قال الرئيس الهندي الراحل نهرو لابنته انديرا غاندي (الرئيسة الهندية فيما بعد): وهل تستطيعين العيش في بيئة يكون فيها الهندي التافه وجيهاً وثرياً والهندي العالم والعامل الكادح فقيراً مجهولاً؟. وكان يجيب عن سؤالها عن أسباب تماسك وانهيار المجتمعات. البرمجة السطحية على التفاهة الاستهلاكية وإعلانات مشاهير السنابات والاختراق الأخلاقي في سنابات الغانيات والمثليات يترتب عليها التالي: إحباط المدرس والموظف والعامل الكادح بحيث يفقد الرغبة في الإخلاص في عمله، والمراهق والمراهقات يتخذون الرموز الفاسدة مثلاً عليا ويعتبرون آباءهم وأمهاتهم فاشلين في الحياة.
نظراً لأن ضبط حريات الرأي اعتبر من الأساس ركيزة للأمن المعيشي والجسدي قامت السلطات الحكومية الثلاث (التشريعية والقضائية والتنفيذية) بتأدية واجباتها حيال المهمة باقتدار تشكر عليه بحيث لا يطالب أحد بالمزيد منه. أي سفيه يتطاول في مواقع تويتر، فيسبوك، سناب تشات أو غيرها على ضوابط حريات الرأي سوف يجد نفسه سريعاً تحت المساءلة القضائية الجزائية المباشرة. ضبط السفهاء عن التعديات السياسية والدينية والاجتماعية والشخصية يوفر للمجتمع المناخ المناسب لتصريف الطاقات الإيجابية في كل مجالات التنمية. التخريب الواضح على مفاهيم التنمية الإيجابية يتسلل ضمن الاختراق الأخلاقي الالكتروني، خصوصاً من المواقع الشخصية العاملة بالصوت والصورة للمتاجرة بالمستحضرات الإباحية والمثلية وبالإعلانات وتسويق ما لا ينفع ولا يجوز تسويقه.
إذاً، ألم يكن من المفترض ومن البدايات مساواة الضبط الأمني الأخلاقي بالضبط الأمني المعيشي والجسدي الذي تحقق متجسداً في كبح التعديات الطائفية والمناطقية والسياسية والفئوية بتشريعات رادعة؟. سؤال على هامش ما بدأ ينتشر محلياً على المواقع الإلكترونية: ما هو واقع الضبط والربط على التعديات الأخلاقية والاستهلاكية التي لا تهاجم أي سلطة اعتبارية بصفتها النوعية، لكنها تحتال للجمع بين تخريب العقول والأخلاق والأموال على عينك يا حكومة ويا قضاء، ويكون المستهلك لها هو كل المجتمع ومن كل الأعمار والعقليات وبلا حدود.
كيف يتم الجمع بين التخريب الأخلاقي وبين جمع الأموال؟، الطريقة بسيطة ومجربة، راجع سنابات المشاهير المحليين من الرجال والنساء وانظر في خلفياتهم الثقافية والمعيشية والعلمية واحسب الأموال التي يجنونها من الترويج للجنس والعلاقات المثلية والترفيه الاستهلاكي المغلف أحياناً بترويج المتعة، وقارن كل ذلك بأوضاع المعلمين والعلماء والموظفين الكادحين من الجنسين، أولئك الذين تطحنهم الحياة وتعجنهم لعشرات السنين قبل أن يحصل الواحد على سكن خاص في حدود ثلاثمائة متر مربع، ويترتب على ذلك أن بناتهم وأبناءهم يعتبرونهم فاشلين في الحياة. نحن الذين قررنا في بداية مرحلتنا التجديدية هذه أن نكون مثل الآخرين، ونقصد مثل الآخرين في احترام أخلاقيات العمل والنظام وحسن التعامل وفهم شروط التطوير الحضاري بالطرق العلمية وتكريم أصحاب الكفاءات بناءً على ما يقدمونه للوطن، وكان الشرط الضمني المتفق عليه هو ألا نصبح مثل الآخرين في مفاهيم العلاقات الزوجية السائبة والجنسية وقبول تشريعات الشذوذ كحقوق يضمنها القانون.
ضعوا في اعتباركم هذه الحقيقة، كل العالم الإسلامي وغير الإسلامي يركز نظره على هذه البلاد ليختبر ما يدعيه أهلها من المتانة الدينية والأخلاقية ومدى التطابق بين المظهر والمخبر.