أ.د.عثمان بن صالح العامر
يولد الإنسان ولديه مسلّمات قلبية قبلية تلازمه حتى يموت، أهمها على الإطلاق الإيمان بوجود إله أو ما ينعته بعض الفلاسفة والمتمنطقين قوة غيبية فيما وراء الطبيعة، وهذه هي الفطرة التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم (كل مولود يولد على الفطرة ...)، حتى الملحد الذي يعلن للملأ أنه لا يعترف بوجود هذا الإله، كشفت دراسة أخيرة أجرتها جامعة هنسلكي ونشرت تقريراً عنها الأسبوع الماضي، أنه - بالتجربة المخبرية التي خضع لها عينة من الملاحدة أجريت عليهم الأبحاث المتخصصة - عندما يذكر الله، أو يطلب من هذا الملحد لعن الرب - والعياذ بالله - يتحرك عنده مركز الخوف بالدماغ، وهذا يعني ضمنياً أن هؤلاء المنكرين لوجود الله في قرارة أنفسهم يعتقدون خلاف ذلك، وصدق الله القائل: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ}.
إيماننا نحن - ولله الحمد والمنَّة - بما هو أكثر من ذلك بكثير - الذي لم يكن يتحقق لنا لولا فضل الله عزَّ وجلّ ومنّه وكرمه علينا - هو الآخر يضعف ويعتريه النقص (فالإيمان عند أهل السنة والجماعة يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية)، وما أكثر المعاصي التي نقارفها، وما أعظم الذنوب التي نواقعها، ولذا تأتي في كل عام مواسم المرابحة والمتاجرة مع الله، لتكون سوقاً مفتوحة أمام المسلم الساعي للكسب الأخروي ونيل رضا الرب سبحانه وتعالى، أهم هذه المواسم على الإطلاق شهر رمضان المبارك وعشر ذي الحجة، ولذلك حق لنا أن نبارك بعضنا لبعض دخول هذا الشهر الفضيل، فبلوغه منّة عظيمة وفضل كبير، والرابح من اغتنم ساعاته فيما يقرّبه إلى الله ليزيد إيمانه وتكثر حسناته، فلنجتهد في طرق أبواب الخير المتنوّعة والمتعدّدة علّنا أن نكون من السبّاقين لصنائع المعروف، المستزيدين في نيل الأجور وكسب الحسنات التي ترفع ذكر المرء عند الله عزَّ وجلَّ. ولا يحقر الإنسان نفسه ولا يقلِّل من شأنه عند الله جراء ذنوبه المتراكمة وتقصيره الدائم في حق الله، فالله يفرح بتوبة عبده وعودته له ولو بلغت ذنوبه عنان السماء، ولله أرحم بعبده من تلك الأم بولدها، فاللهم ارحمنا برحمتك ويسّر لنا طاعتك، وبلّغنا مرضاتك وجنتك، ووفقنا جميعاً لما تحب وترضى.. وكل عام وأنتم بخير.. وإلى لقاء والسلام