محمد آل الشيخ
إخفاقات تلو الإخفاقات تكتنف سياسة دويلة قطر، وأكاد أجزم أن القادم سيكون أدهى وأمر. دعونا نستعرض هذه الإخفاقات التي كان آخرها الأنباء التي تقول إن البيت الأبيض يعمل على تصنيف جماعة الإخوان منظمة إرهابية، على غرار الحرس الثوري الإيراني. ففي هذا العام فقط 2019 تلقت هذه الدويلة صفعات عدة، جعلتها تخسر كثيراً من رهاناتها واستثماراتها السياسية، وتستنزف مبالغ مهولة من أرصدتها المالية؛ فحليفها الذي يكلفها الكثير وما زال (أردوغان) في تركيا خسر حاضرة تركيا ومدنها الكبرى، وعلى رأسها إسطنبول، ولم يناصره إلا أهل الأرياف والمدن الصغرى والقرى.
وفي ليبيا حقق المشير خليفة حفتر انتصارات مهمة، جعلته يسيطر على ثلثي التراب الليبي، ولم يبق إلا العاصمة طرابلس وبقية الغرب الليبي، الذي تقول كل المؤشرات إنه سيضمها إلى سلطته، والقضية قضية وقت.
حليف قطر في السودان عمر البشير سقط هو الآخر، وخلفته قوى سودانية ليست من خطه السياسي المتأسلم، وليست والمتأسلمين على وفاق.
وأخيراً جاءت الصفعة الأخيرة، أو سمها إن أردت الطامة الكبرى، وهي الأخبار التي تقول إن الرئيس ترامب على وشك تصنيف جماعة الإخوان جماعة إرهابية.
والد أمير قطر، أو كما يسمونه في الدوحة الأمير الوالد هو من يمسك بزمام القرار القطري، أما ولده الأمير فليس إلا (خيال مآتة)، أو أنه على أفضل تقدير أمير صوري، ليس له من الأمر شيئًا، اللهم إلا تمثيل قطر في المؤتمرات والزيارات الخارجية. والأمير الوالد هذا رجل ممتلئ بالمكابرة والإصرار والمغالطة وتضخم الذات من رأسه حتى أخمص قدميه؛ والسياسي الحصيف في كل زمان ومكان هو من لا يعرف العناد والمكابرة، ويعرف متى يكون الكر، ومتى يكون الفر؛ إلا أن حمد بن خليفة لا يعرف إلا العناد والاعتماد على الأوهام، ولديه قناعة راسخة أن عوامل القوة التي يفتقدها بلده الصغير يستطيع أن يبتاعها بالمال، سواء بطريقة مشروعة أو غير مشروعة، وفي ظني أن من حوله يجاملونه ويُزينون له سوء أعمالة وحماقاته، وإلا فهل هناك سياسي عاقل يراهن على جماعة مثل جماعة الإخوان خسرت وما تزال تخسر في كل أرجاء العالم العربي؟
والسؤال: ماذا سيعمل إذا فعلاً صنَّفت الولايات المتحدة جماعة الإخوان جماعة إرهابية؟.. هنا لن يكون في مقدوره الكثير من المناورة، ولن تزيده المكابرة والإصرار إلا مزيدًا من التورط أكثر، لذلك فليس أمامه إلا أن يخضع صاغرًا، وإلا دخل في تعقيدات سياسية، لا يستطع لا الأتراك ولا طبعًا الإيرانيون المحاصرون مد يد العون له، وإنقاذه من المأزق، ولا سيما أن (قاعدة العديد الأمريكية) لا تبعد سوى بضع كيلو مترات عن الدوحة؛ وأي إجراء سياسي يتخذه غير الإذعان يُعَدُّ عملاً انتحاريًا، سينتهي بعزله تمامًا عن السلطة، حتى من وراء الكواليس، وتنتقل السلطة فعليًا وليس صوريًا إلى الأمير تميم الذي يفتقر فعلاً إلى الكاريزما والحضور والقدرات القيادية.
بقي أن أقول إن الرئيس ترامب كان قد وعد في خطبة من خطبه إبان حملته الانتخابية أنه سيصنف جماعة الإخوان كتنظيم إرهابي، والرئيس ترامب رجل يعد ويفي، وإذا قال فعل، كما أثبت ذلك في كثير من قراراته التي وعد بها ناخبيه، وحققها بعدما أمسك بزمام السلطة.
ومن يرصد تحركات الدبلوماسيين الأمريكيين، خاصة في السنة الأخيرة، سيلحظ أن برودًا في العلاقات الدبلوماسية بين واشنطن والدوحة بات جاثمًا بين الدولتين، وكان يمكن للقطريين أن يتلافوه لولا مكابرة وعناد وعنجهية الأمير الوالد، وقناعتهم أن الدولة العميقة في أمريكا تناصرهم، وبالذات البقية الباقية من إدارة أوباما، غير أن الرئيس ترامب أثبت أنه -وليس أحدا غيره - هو من يتخذ القرار، وإذا اقتنع بأمر ما فلن يثنيه عن تحقيقه كائن من كان، حتى ولو كان أعضاء حزبه من الجمهوريين في الكونجرس.
وعلى أي حال فتصرفات قطر وأميرها ووالده، وانتفاخهم المضحك، يذكرني بقول الشاعر يسخر من دويلات العرب في الأندلس:
ألقاب مملكة في غير موضعها
كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسدِ
إلى اللقاء