د. خيرية السقاف
«من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه»..
من ذا الذي يتفكر في أبعادك يا رمضان تحت عنوان كبير هو «المغفرة» ولا يحرك باطن كفَّيه على صدره، يتلمس موضع قلبه حيث المضغة المسؤولة؟!..
من يسأل عن مدى صلاحها، ومدى فسادها وهو يصومك وبين عينيه اجتياز الصراط؟!
ما الإيمان إن لم تكن هذه المضغة تخفق خشية من ذنب، وشغفًا في طهر، وأملاً في خلاص، ورغبة في فوز؟
ما الإيمان إن لم يكن لهفة للطريق، وولعًا بالمحبة، وثقة في القرب، وعملاً للقبول، وسعيًا بلا كلل؟!..
أنت يا رمضان هذا السبيل لكل هذا النابض المتزاحم في الصدر..
«إيمانًا، واحتسابًا»...
وحين يجتمع للمرء معقد الإيمان، ووسيلة الاحتساب يصومك،
يصومك مطوِّعا كل سُلامات جسده، وخفقات وجدانه، وأجنحة مخيلته، وعزائم أفكاره!!..
بصبر طاعة، وقسر نفس أمارة،
بتطويع ذات في كليِّتها ليست تخضع إلا لقلبها يميل حيث نجاتها،
يشغف لنوالها، وينبض بالرجاء في عتقها من عواقب سهوها، وانشغالها!..
المغفرة لما سبق، وليس لما سيلحق،
ليكون المرء في ديمومة تهذيب، ودوام عمل، وتواصل أمل،
جاهدًا مجتهدًا، طائعًا متعبدًا، عاملاً لربه ما استطاع، ساعيًا فيما يزداد،
متجها لما يُراد، محتسبًا بيقين، منتظرًا برجاء بلوغ ما فيك من الوعد الإلهي بالفوز بغفران ما «سبق» من السهو، والزلل البشري، والانقياد للنفس حيث هذه المضغة في محك جهاد، ووسائل اجتهاد..
لله درك يا رمضان، فالتفكُّر فيك ملهِمٌ، والصوم فيك محكٌّ...
بوركت للصائمين ما اجتهدوا وهم على ثقة ويقين..