د. عهود سالم
قرَّرتُ وإحدى الصديقات في العام الماضي تجربة مطعم جديد، وفي الوقت الذي كنا فيه متجهين بالسيارة للمكان الهدف قررنا أن نلعب لعبة لقطع الوقت. تقوم اللعبة على تأليف حوارات تخيلية على لسان الأشخاص العشوائيين الذين نقابلهم في طريقنا للمطعم. واتفقنا أن أبدأ أنا الحكاية. اخترت بطلتي الأولى، وبدأت أحكي على لسانها في نص افتراضي عن يومها، على أن تجاريني صديقتي في الحوار. كنا نوظِّف كل ما كان أمامنا من أشخاص وأماكن ولوحات في تأليف الحكاية. كانت كل منا تجيد مجاراة الأخرى ومفاجأتها بشكل لافت للنظر، مما يشعل حماسنا للاستمرار في اللعبة. أعترف، لم يوقفنا أبداً نقص الخيال عن سرد الحكاية بقدر ما كان الضحك.
استعيد الموقف وأنا استمع لحوار عن فشل العلاقات في هذا الزمن. الكل يجمع بأننا نفشل لأننا لم نؤد الأدوار المطلوبة منا. لكن السؤال الذي ينبغي طرحه هو: من حدد الدور؟ من حدد النص؟ من حدد التوقعات. شخصياً، أعتقد بأن مشكلتنا بالدرجة الأولى تأتي عندما يُطلب منا لعب أدوار بطولة لا تناسبنا، حددها لنا الآخرون، لنتحدث وفق نصوص جاهزة، وتوقعات معينة. أنا وغيري من جيل الشباب ما زلنا نأتي على طاولة التفاوض ونقول: لم نقبل الدور بعد؟ ولا يعجبنا النص؟ ثم تأتينا نوبة غضب ممن حولنا لأننا خرجنا عن التوقعات التي أرادوها لنا. بعدها يهب الجميع في محاولة لتصحيح مسارنا لنعود إلى الطريق. ولكن من قال بأن الطريق التي أرادوها لنا هي حقاً الطريق؟ بعضنا يقع في فخ محاولة إقناع الآخرين بأن هناك أشكالاً أخرى للحياة. والبعض الآخر يستسلم، ويلعب الدور المرسوم له إلى أن يخسر نفسه. والقسم الأخير، يكتفي بأن يزيد مسافة الآمان بينه وبين هؤلاء، وعينيه صوب الغاية التي خلق من أجلها. مدركاً أنه إذا أراد أن يعيش في هذه الحياة فعليه أن يدخلها بنصف قلب، ونصف عقل، وبدون أي توقعات. فالحياة ليست إلا مسرحاً مفتوحاً. وحدك أنت من يملك حق اختيار الدور، واختيار النص، دون أن تشعر بأي التزام لخدمة مصلحة أي طرف أو توقعات أحد. متيقناً بأنه عندما لا تجد من يجيد مجاراتك في سرد الحكاية، فلك كامل الحق في تغيير الدور، تغيير النص أو حتى تغيير الشريك، دون أن تقع في فخ التوقعات.
شخصيًا، ما زلت على طاولة التفاوض وأقول لمن يجلس لمفاوضتي: شكراً لوقتك. لكن، لم يعجبني الدور بعد.