بريدة - خاص بـ«الجزيرة»:
أكد متخصص شرعي أن الخطاب الديني شريك في معالجة الأفكار المتطرفة لا تقل عن الأمني والاجتماعي، وأنه ليس من العقل والإنصاف أن نحمل الدين أخطاء البشر التي تؤذي المنهج الوسطي.
وقال فضيلة الدكتور صالح بن عبد العزيز التويجري في حواره مع «الجزيرة» إنه ينبغي أن نحيي فقه الموازنات والعهود والمواثيق والتعايش والتحالف وليس التقارب الذي يذهب الفوارق.
وتناول الحوار مع د. صالح التويجري أستاذ العقيدة المشارك بجامعة القصيم، وإمام وخطيب في بريدة، عددًا من الموضوعات والقضايا الشرعية المتنوعة باعتباره خبيرًا متمرسًا حيث عضويته في عدد من الجمعيات الخيرية كعزم، وتجهيز، وأسرة، وله مشاركات ثرة في الأمن الفكري، وإصلاح ذات البين، إضافة إلى عضوية مركز التحكم. مع المشاركة في ورش الحوار الوطني، وجمعية تراحم، وكذا الاستشارات العلمية والتربوية المتعددة.
وشدد الدكتور صالح التويجري على أن تنزيل الوسطية يكون حسب الحق وليس الهوى، كما أن تولي الجهلة والحمقى معالجة الانحرافات تأزيم أكثر على الطرفين، وأن الحوار المريض مخدرات تذيب الفوارق.. وفيما يلي نص الحوار:
* كيف تقرأ واقع الأمة الإسلامية في ظل الظروف الحالية البالغة الحساسية والتعقيد؟
- ابتلاء وامتحان وبوادر انفراج لتموضع الأمة نفسها في المكان الصح وتمحيص لمدى توظيف النصوص الشرعية التي تمت، والتعبئة التي كنا ننظرها للآخرين واليوم نعيشها.
* في أي مساحة من مساحات الخطاب الديني في المملكة نبتت الأفكار المتطرفة؟
- ليس للخطاب الديني صلة بذلك فإن منهجنا معتدل من حيث الموقف من الآخر لكن الآخر هو الذي تغير واستغل الضعف لمزيد من التركيع ومراجعة للثوابت التي هي سبب ثباتنا، وأن حدث سلوك فردي من أشخاص فهم غير محسوبين على الخطاب الديني العام، وإنما كما هي فترات التاريخ تمر بها انحرافات تؤذي المنهج الوسط، بل إن الخطاب الديني شريك في المعالجة لا يقل عن الأمني والاجتماعي، وليس من العقل والإنصاف أن نحمل الدين أخطاء البشر فنحن بلده ومنشؤه ولا يحق لأحد أن يفهمنا معناه ونصه وفقهه لكن الانهزام وروح التبعية تتسلل لبعضنا فيتقرب للخصم بمراجعة النص وفهمه.
* يشاع حالياً مصطلح «التجديد» فما هو القول الأصح: تجديد الدين، أم تجديد التدين؟
- التجديد من حيث هو لفظ وارد شرعاً لكن لا يصلح أن يستعمله وينزله على الواقع إلا أهله لأنهم أعلم بمقاصد الشريعة وفقه الواقع ثم انه مصطلح تعرض لابتسار واستلاب لتغيير مفهومه ومراد الشارع منه، ومع ذلك لم تجد كل خطوات التقارب والتراخي فإنهم لن يكفوا عنا {وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ}، {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}، وحين يتناوله وصوليون أو منهزمون أو مغلوبون على أمرهم فإنهم يجنون على أنفسهم، والدين سوف يثبت لهم ولغيرهم مع الزمن أنه محفوظ من رب العالمين {وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ}، وهنا ينبغي أن نحيي فقه الموازنات والعهود والمواثيق والتعايش والتحالف وليس التقارب الذي يذهب بالفوارق التي جاء لتوكيدها الشرع.
* صورة ديننا مشوّهة ومنفرة في عيون الغرب والشرق كيف نصححها؟ وهل الخطاب الإعلامي سبب في تشويه الخطاب الإسلامي؟
- الذي شوه الدين المسلسلات التي يعدها ويطبقها خصوم أو جهلة أو منتفعون مادياً، وليست هي الإسلام، وليست هي سلوك الأغلبية المسلمة، وليست هي المعالجة الصحيحة، بل هي التي ولدت ردة فعل تناسبها أو تزيد لأن التطرف في المعالجة يولِّد تطرفاً آخر لا يقل قسوة، والغرب والشرق لا يحتاج إلى من يحفزه لكنه وجد من بيننا من يخدمه وينوب عنه الدور بجدارة وبلا تحسس فهم من جلدتنا، والخطاب الإسلامي لا يمكن تأطيره في زمن ولا بقعة لأنك تتحدث عن العالم الإسلامي كله فلم نعد نحن من يمثل الإسلام أو يدعيه وحدنا فقط أو يحتكره لذا نحن مسؤولون عن محددات، ولا يجوز أن نجرم الأمة أو التراث الإسلامي تخلصاً من الإدانات الغربية مع أن بعضنا يسئ للإسلام وهو يريد المدافعة عنه بحيث يسارع في تأويل النصوص والتقارب المذل والتنازل.
* ما زالت عقيدة الولاء والبراء تواجه حملات شرسة من أعداء دين الله لإضعافها في نفوس الأمة، فما مسؤولية العلماء والدعاة في إحياء هذه العقيدة وكيفية الذب عنها؟
- توكيد النصوص فيها وتحرير الموقف من الكافر ومن المخالف حسب الفقه الشرعي وليس هوى الغلاة ولا الجفاة وتنزيل الوسطية حسب الحق وليس الهوى، وحين تحدث مصطلحات معاصرة ملؤها الرخاوة والضعف من التسامح والحوار المريض وقبول الآخر فإنما هي مخدرات تذيب الفروق التي جعلها الله بين المؤمنين والكافرين والنصوص والكتب في هذه القيمة الشرعية لا تحتاج إلى سرد هنا.
* اختلط مفهوم التدين الصحيح بالتشدد في أذهان بعض الشباب، وأصبح التكلف في الدين والتعسير على النفس في نظر البعض من مظاهر التدين والتقوى.. كيف نحمي شبابنا من هذا المفهوم الخاطئ للتدين؟
- هذا في محيط الجهل وهو موجود في فترات من التاريخ وليس هو منهج الأمة بعامة بل المظهر العام الوسطية غير أن ظاهرة المذهب الإرجائي المتفق مع هوى الأنفس له حضور في أوساط الشهوات والتشدد عارض في أشخاص يمثل جانب الشدة في شخصياتهم ثم يوظفون النص حسب الهوى وهم مكشوفون لظهورهم ورفض منهجهم وهم أحد ردود الأفعال للتهور الأخلاقي الماجن وردة فعل معاكسة للتهاون بمعالم الدين، والمعالجة نشر العلم والاعتراف بالتقصير، وتجنب تزكية النفس وتجهيل الآخرين بالواقع المعيش فإن التضليل للحقائق يحمل في طياته بذور الانحراف.. والحلول موجودة ميسرة إذا قام بها المنصفون العقلاء العلماء، وحين يتولى المعالجة جهلة أو حمقى أو موتورون يصفون حساباتهم مع الإسلام أو مخالفيهم عبر أساليب ومعالجات جائرة مفسدة فإن الأمر يتأزم أكثر حتى على المشفقين على الطرفين.
* انتشرت الفتاوى العشوائية والمتسرعة في كثير من وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.. ما خطورة ذلك على واقعنا الديني والاجتماعي؟
- الفضاء المفتوح وانتشار المعرفة والوصول للمعلومة والدليل خلف هذه الظاهرة ولن نحجب الفضاء أو نتحكم في الناس إلا بأمور تخفف الأثر ولا تزيله وهذا موجود في أزمنة الفقهاء الأوائل ولكن التقنية زادت الأزمة فلا بد من توقير العلماء الورعين المصلحين وتمكينهم من مخاطبة المجتمعات لئلا يكون هناك فراغ يملؤه أنصافهم، ولا بد من الوضوح مع الناس فيما يخص أمنهم وعيشهم وصحتهم لأن الغموض والخفاء والتلبيس سوف يحدث لهم مخارج يحاصرون بها الحقيقة التي يتهرب بعضنا منها، ولذلك لا ينبغي أن نتحسس من القول المخالف إذا كان مسنوداً بدليل وفهم صحيحين وقصد نبيل ومن رحمة الله سعة الفقه وشموله أصقاع الأرض بتنوع البشر والزمان والمكان والحال، وينبغي دعم وإسناد دعاة الوسطية والاعتدال الشرعي وليس الهوى ومجاملا ت الآخرين ومسايرة الواقع.
* كيف تنظرون إلى تعدد الخلافات بين العلماء ورجال الفتوى في عالمنا العربي والإسلامي خاصة أننا نعيش تحديات صعبة داخلية وخارجية تستوجب توحيد الصف ونبذ كل ما يؤدي إلى الفرقة؟
- ينبغي أن تقوم مؤسسات الفقه المقارن ومنظمات المؤتمرات والتضامن الإسلامي وعلماء المسلمين في كل البلاد بتوافق متجرد لا ينزوي تحت راية غير الإسلام الحق ويطرح كل قضايا التماس والنقاش ذات المساس بالشريعة والواقع ثم يخلص إلى حلول تقرب بين المسلمين أنفسهم بعيدًا عن تجاذبات الأحداث التي تخضع لمصالح آنية وتغيرات كثيرة وتحولات تشوه الفقيه إذا جرجرته معها وأنزلته من علوه إلى الهاوية.
* انتشرت في المجتمع ظاهرة تصنيفات الناس، وتزايدت في المؤسسات الشرعية.. فما الأسباب؟ وكيف يمكن الحد منها في مجتمعنا؟
- هذا مرض قديم يتجدد الحسد والغيرة سند قوي لنشأة هذه الأمور وحين يكون خصم ذكي يؤجج هذه الروح ليسقط كل المخالفين من التوجه ذاته، وعليه يجب الوعي وتوكيد مقاصد الشريعة في المصالح والمفاسد وتفويت الفرص على المتربص، وأيضًا لا بد من الاحتياط للدوافع وحظوظ الأنفس.