د. خيرية السقاف
لله ما أسرعك يا رمضان، وهذه العشرة منك تكاد أن تنطوي..
ولما بعد استوعب الكثيرون حديثك العميق، المتسلل لذرات الوجدان، المتغلغل لمفاصل الوعي، الممتزج بقوادم العزيمة..
يومك السابع، وصوتك في الفضاء يغلب أصواتهم،
أولئك السادرون في الغفلة، تتعالى نبراتهم،
أما الموغلون في سجفك فيصمتون في سكوت..
الصوم فيك حدٌّ بين صغائر البشر، ومنازل الانصياع،
بين هدر الانفراط، وكابح الامتناع،
«لا تغضب» سمة القادرين على الذات، المتحلين بجميل الصفات،
فكيف الذين يغضبون لأنهم جياعٌ، عطِشون «صائمون» لا يحتملون،
منفلتون لا ينضبطون!!..
يمس غضبهم القريب، والبعيد، الطفل، والبائع، العابر السبيل، والقائم بخدمتهم..
و«لا تغضب»، «وإن سابك أخد فقل: إني صائم»
منتهى الاصطبار، وغاية القرار..
وأنت تُعلم يا رمضان كيف يواجه المرءُ ضعفه، وكيف يتعامل مع فراغه،
وإلى أين يأخذه الغضب فتفرغ كفَّاه من عطاياك، ولا يبلغ منازل منتهاك..
لله درك يا رمضان..
مدرسة إن لم يتعلم المرء في غيرك، تعلمه في لحظاتك،
وإن لم يتذكر خارجك تذكره في وقتك،
وإن طغى تكبحه، وإن أفرط تلمَّه، وإن أخطأ تصوِّبه..
كالقاطف من البستان أجمل الزهور، وجامعها في باقة ريانة شذية، تجمع للصائم كل الخصال الجميلة، والقيم القويمة، والسلوك المستقيم لينهج شذاها، ويتنعم بنقائها، ويعيش صفاءها، ويحلق بعبيرها..
حتى إذا ما تمثَّلها صغرت الدنيا فيه خارجك يا رمضان، وارتقى بعدك بذاته، وأسبغ على وجوده فيها ومضًا من بقايا نورك..