د.عبد الرحمن الحبيب
في سياق تراكمي لحملة «الضغط الأقصى» الأمريكية على إيران بدأت بالمقاطعة ثم العقوبات الاقتصادية، فالضغوط السياسية بحشد دولي بمؤتمر وارسو، تلاها إدراج «الحرس الثوري» بقائمة المنظمات الإرهابية، وأخيراً وليس آخراً وقف الاستثناءات لبعض الدول من المقاطعة النفطية لإيران مما أضر بشدة باقتصادها المتداعي أصلاً.. والآن تمخر سفن هجومية عباب المحيط تتقدمها حاملة الطائرات أبراهام لنكولن قاصدة الخليج برفقة القاذفات المدمرة «بي 52».. هذه وحدها نذير حرب!
ماذا عساها أن تفعل طهران؟ إنها تحاول إظهار قدرتها على التحدي معلنة عزمها على الالتفاف على العقوبات، ومهددة أطراف الاتفاق النووي بتعليق بعض بنود الاتفاق، وتمهلهم ستين يوماً لتأمين مصالحها الاقتصادية، أو قد تنسحب من الاتفاق برمته. لكن هذا رد علني بائس ولا ينذر بحرب، أم الرد غير العلني فهو تلميحات وكلائها بالمنطقة بقدرتهم على المهاجمة. لكن وزير الخارجية الأمريكي حذّر: «على النظام بطهران أن يفهم أن أي هجمات يشنّها هو أو وكلاؤه من أي هوية على مصالح الولايات المتحدة أو مواطنيها ستقابل برد أمريكي سريع وحاسم»، مشيراً إلى أن التهديدات الصادرة عن إيران تزايدت بالأسابيع القليلة الماضية (رويترز).
فإلى أين يتجه التصعيد؟ «تشير الدلائل المتزايدة إلى أن الرئيس الأمريكي يسلك طريقًا نحو الحرب، سواء كان يدرك ذلك أم لا» حسب كولن كال (مستشار سابق للأمن القومي الأمريكي)؛ ذاكراً أن اللغة القوية لجون بولتون (مستشار الأمن القومي) ناتجة عن تقارير بأن الميليشيات المدعومة من إيران تخطِّط لشن هجمات ضد القوات الأمريكية بالعراق، وعن هجمات إيرانية (مباشرة أو عبر وكلائها) وشيكة ضد المصالح الأمريكية أو الأفراد أو الحلفاء بالخليج.
أما الكاتبان مايكل هيرش ولارا سيليجمان (فورين بولسي) فكتبا تحت عنوان «أصداء العراق في مواجهة ترامب مع إيران»: التوترات المتصاعدة مع طهران تحمل أوجه تشابه مع الفترة التي سبقت الحرب عام 2003. وأهمها: وجود جون بولتون أشد الصقور رغبة بمواجهة عسكرية مع إيران، إذ سبق أن دعا مراراً لتغيير النظام الإيراني، وكان شخصية رئيسية دفعت للحرب على العراق بالعقد الماضي.. والآن وُضِعت سياسة أمريكا تجاه إيران بين يديه..
وجهات النظر الأخرى غير الأمريكية لديها رأي مشابه باقتراب المواجهة العسكرية، فالكاتب الروسي سيرغي ستروكان، في «كوميرسانت»، وسم عنوان مقاله «سيستخدمون قوة لا ترحم ضد إيران»، موضحاً أن تصاعد التهديدات الأمريكية لإيران، يعني اقتراب خطر عمل عسكري ضدها. فيما ذكرت وكالة «روسيا اليوم» أن التصعيد قد بلغ أقصاه «ذلك أن طهران الآن تحرق كل المراكب فإما أن تكون ويكون الاتفاق النووي ضامناً لمصالحها، وإما أن تعود سيرتها الأولى..».
صحيفة الغارديان البريطانية خَلُصت إلى أنه مع تصاعد وتيرة التهديدات لبقاء النظام الإيراني، فاحتمال الرد العنيف من جانب الأوساط المتشددة في طهران أو أتباعهم يزداد، وبالتالي عن قصد أو بدونه، أمريكا تدفع إيران إلى طريق الحرب. وأوضحت الصحيفة أن القيادة الإيرانية تواجه حالياً ثلاثة خيارات: الاستسلام أو الانتظار أو المقاومة.. الأول ليس محتملاً، والثاني صعب بانتظار إزاحة ترامب بالانتخابات القادمة، بينما الأخير تكتنفه أجواء المواجهة العسكرية.
بطبيعة الحال إيران لا قِبَل لها بمواجهة عسكرية مع أمريكا، إنما قد تلجأ إلى وكلائها، لكن بولتون حذَّر من أن أمريكا لن تُفرق بين هجمات من إيران أو من وكلائها. فماذا عن التهديد الإيراني بإغلاق مضيق هرمز؟ هذا التهديد ليس جديداً، ففي كل مرة تقريبًا تشعر إيران بأنها محاصرة، تثير هذه الفزاعة، وتقوم غواصات إيرانية بمناورات استعراضية بخليج عمان وتعزيز حضور قواتها البحرية هناك كما فعلت مؤخراً..
فهل تستطيع إيران إغلاق هرمز؟ ممكن من الناحية النظرية، لكنه عمل انتحاري لأنه سيؤدي حتماً إلى رد فعل مدمر من القوات الأمريكية والقوات المتحالفة معها. لذا، قد لا يتم إغلاق المضيق بل تعطيله بطرق عدة، مثل زرع الألغام أو حجز السفن أو إغراقها كما حصل بالثمانينات أثناء الحرب العراقية الإيرانية. إذا حدث ذلك فالأسطول الأمريكي الخامس جاهز يتمركز في البحرين، كما قال بولتون، والناقلة البحرية أبراهام لينكولن تجوب المنطقة ومستعدة لتوجيه ضربات ضد أهداف إيرانية. ورغم أن البحرية الأمريكية لديها 11 كاسحة ألغام إلا أن عملية إزالة الألغام تعد عملية شاقة وخطرة..
أما إذا اتخذت إيران الخطوة التصعيدية القصوى بإغلاق هرمز، فلن تتمكن من ذلك إلا لفترة قصيرة، لأنه لا مقارنة بين قواتها والقوة الأمريكية، إلا أن هذه الفترة قد يكون ضررها بالغاً حسب رأي أنتوني كوردسمان من مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية بدراسة شاملة عن احتمالات المواجهة بين أمريكا وإيران إذا أغلقت الأخيرة مضيق هرمز.
الشاهد أن خط التصعيد يرتفع دون توقف منذ عام حين أعلن ترامب بعبارة صريحة: إما أن تلبي إيران المطالب الأمريكية أو تعود إلى وضع «الدولة المنبوذة» كما كانت بعزلتها الدولية. فهل ستقف تلك التصعيدات عند هذا الحد أم ترتفع إلى مستوى المواجهة العسكرية المباشرة أو غير المباشرة من مناوشات، أم تحدث مفاجآت؟ هذا ما سنراه بالأشهر القادمة..