- د. مريم بنت خلف العتيبي - جامعة الأمير سطام بن عبد العزيز
- أعد الكتاب فرحان حسين الجعيدي، ونشرته دار الثلوثية بالرياض 1440هـ (2019م).
ويُعدُّ الجعيدي من القيادات الشابة المتطلعة الملهمة التي ساهمت بشكل قوي في بناء وتأسيس جامعة الأمير سطام بن عبد العزيز في الخرج، حيث تسنم مناصب إدارية عدة، ومن أهمها عميد كلية العلوم والدراسات الإنسانية، وعضوية العديد من المجالس العلمية في الجامعة، كما أنه عضو المجلس البلدي في منطقة الخرج. وانطلاقاً من انتمائه لمكان نشأته ومرتع طفولته فقد قدَّم سفراً وثائقياً للمكتبة السعودية، بذل فيه جهداً علمياً واضحاً، أمتاز بتنوع المادة العلمية والتي اعتمدت على العديد من المصادر العربية والأجنبية، وحوى العديد من الصور التي استطاع الباحث بمهارة وضعها في مكانها الصحيح، يقع الكتاب في 455 صفحة من المقاس المتوسط، واشتمل على قائمة بالمحتويات تضمنت ما يحتويه الكتاب من إهداء وشكر وتقدير، وقائمة بالجداول والأشكال، ومقدمة، وثمانية فصول، وقائمة بالمراجع العربية والأجنبية.
بيَّن الباحث في مقدمة كتابه السبب من وراء استخدامه لمصطلح إقليم الخرج، وهو انطلاقاً من تعريفات الجغرافيا الإقليمية للأقاليم لعامة والخاصة. ويطلق على الخرج إقليمًا جغرافيًا خاصًا بوصفه أحد أهم السهول الفيضية في وسط شبه الجزيرة العربية. ثم تناول الكتاب الخصائص الزمانية والمكانية لإقليم الخرج وتأثيرها على السكان من حقبة ما قبل الإسلام وحتى العهد السعودي الزاهر. كما ناقش المؤلف الاستيطان في الخرج، وتطور الزراعة التي كانت من أهم عوامل الاستيطان في الخرج. ثم بين الباحث أن هذا السفر جاء لسد احتياجات المكتبة السعودية نظرًا لقلة المؤلفات المكتوبة عن الخرج على الرغم من أهمية المنطقة.
في الفصل الأول تحدث المؤلف عن الموقع والأهمية التاريخية، موضحاً أن إقليم الخرج يسيطر كلياً على سهل فيضي تصب فيه أودية الحوض الأوسط للنظام النهري القديم المعروف بوادي السهباء، وقد اشتهر هذا السهل بالزراعة منذ أقدم العصور، وهذه المنطقة غنية بوفرة المياه التي تسيح على الأرض، وكانت محوراً للعديد من الصراعات المحلية بغية السيطرة على المنطقة.
يقع إقليم الخرج في منطقة الرياض وسط المملكة، وتبلغ مساحته ما يقارب 20000كم مربع، وتبرز أهميته في قربه من العاصمة السياسية للبلاد الرياض، كما أن الإقليم يزخر بالعديد من المواقع الأثرية التي تعود إلى عصر ما قبل الإسلام مثل المدافن القديمة في فرزان والقصيعة والشديدة. وأثناء حديثه في اللمحة التاريخية التي جاءت بشكل مختصر تبعاً لطبيعة تخصص المؤلف وطبيعة توجهه في الكتاب، وذكر الباحث سبب التسمية أن الخرج من الغلة التي تخرج من الأرض والضريبة والإتاوة، كما تكلم عن سبب تسمية الخرج في كتب التراث والرحالة المسلمين، وذكر أن بداية التسمية كان في عام 280هـ، ثم ذكر تسمية الخرج في الخرائط التاريخية، ثم تكلم عن الخرج من عهد ما قبل الإسلام وفي الإسلام ثم في عهد الدولة السعودية في جميع أدوارها، وبين الأهمية الإستراتيجية للمنطقة، وأعقبها بالإستراتيجية العسكرية التي استخدمها الملك عبد العزيز في حكم الرياض والهيمنة على ما حولها من مناطق.
في الفصل الثاني تكلم الجعيدي عن الخصائص الطبيعية وتناول جيولوجية المنطقة، ومظاهر السطح والتغيرات التي حدثت خلال الحقب الزمنية وتغيرات المناخ، ثم تكلم عن الظروف المناخية، وتذبذب سقوط الأمطار، وتنوع الغطاء النباتي في المنطقة. أعقبه بالحديث في الفصل الثالث عن الأودية والسيول في الخرج ومنها وادي بلجان ووادي العين ووادي ماوان، ثم تكلم عن الأودية ذات التأثير غير المباشر على المدن الرئيسة في سهل الخرج مثل وادي حنيفة، ووادي الحنية، ووادي السلي وغيرها. وعرج في سياق حديثه على الأودية المخترقة للمدن ومن أهمها وادي الخرج وامتداد وادي الدلم وامتداد وادي بلجان.
جاء الحديث في الفصل الرابع عن العيون في الخرج والمياه الجوفية، واعتقد المؤلف أن أطروحة الدكتوراه لبراون والتي تكلم فيها عن الجيولوجيا والمياه الجوفية في منطقة الخرج ومنطقة نجد في المملكة العربية السعودية من أهم وأقدم الدراسات الأوروبية التي تناولت المنطقة. ثم بين الباحث تنوع المصادر المائية في إقليم الخرج ما بين مياه السيول والأمطار ومياه العيون والمياه الجوفية. وهذا التنوع المائي كان له أثره البارز في تميز المنطقة.
في الفصل الخامس تكلم الباحث عن التطور الزراعي في الخرج، مشيراً إلى أن إقليم الخرج أحد أهم المناطق الزراعية في وسط الجزيرة العربية، وهذا ما جعله محط الكثير من النزاعات والصراعات للسيطرة على هذه المنطقة. ثم ذكر البعثات الزراعية التي قدمت للخرج ومن أولها البعثة الزراعية العراقية عام 1929م، ثم البعثة الزراعية المصرية عام 1942م، ثم البعثة الزراعية الأمريكية عام 1942م، ثم تكلم الباحث عن دور شركة أرامكو في المشاركة في التنمية الزراعية في الخرج، واستطرد في حديثه عن مشروع الخرج الزراعي عام 1950م، أيضاً تكلم عن التأثير الاجتماعي والاقتصادي لمشروع الخرج الزراعي ومن أهمها توطين البادية، ونقل مجتمع الريف من النمط التقليدي إلى الزراعة المتطورة، وتوفير منتجات زراعية لم يعتدها السكان المحليون، ثم تكلم عن نهاية مشروع الخرج الزراعي.
تناول الباحث في الفصل السادس قضية مهمة جدًاـ وهي الاستيطان ونمو السكان في الخرج، حيث قسم الكاتب السكان إلى سكان البلدان، وتنحصر مصادر دخلهم في التجارة والصناعات التقليدية وسكان القرى الزراعية وهم الذين يمارسون مهنة الزراعة، وكذلك سكان البادية وهم من يمارس مهنة الرعي. ثم تكلم عن النمو العمراني في المحافظات القريبة من الخرج ومن أهمها الدلم، وكذلك الهياثم والضبيعة، ثم ناقش المقومات السياحية والأثرية في إقليم الخرج والتي عدها المؤلف عوامل جذب قوية للسواح، ورافدًا مهمًا من روافد السياحة في المملكة، ومن أهمها قصر الملك عبد العزيز، وقصر أبو جفان، وقصر البدع، ومن الآثار بقايا الحصون والقلاع وأهمها برج الدلم وبرج الكوت في السلمية.
أفرد الباحث الفصل الثامن في كتابه عن التعليم والصحة والصناعة والنقل والخدمات في الخرج. وقد بين أن أول مدرسة نظامية قامت في الخرج كانت عام 1362هـ وكانت في مدينة السيح، وكان مديرها آنذاك عبد الكريم الجهيمان، وفي عام 1375هـ افتتحت أول مدرسة متوسطة ومديرها عبد الوهاب كلنتن، تلاها افتتاح أول ثانوية في الخرج عام 1385هـ وتولى إدارتها عبد الله بن محمد الخليفة. ثم توالت الزيادة والنماء حتى وصل عدد المدارس إلى ما وصل إليه في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز. كما أشار المؤلف إلى التعليم العالي في منطقة الخرج ومن أهم مؤسساته جامعة الأمير سطام بن عبد العزيز والتي صدر الأمر السامي الكريم بإنشائها في رمضان 1430هـ.
تكلم الباحث بشكل مختصر عن التطور الصحي في الخرج، حيث ذكر نشأة أول مستوصف في الخرج في عام 1367هـ، تلاه المستشفى العسكري في الخرج والذي افتتحه جلالة الملك سعود في 16 شوال 1372هـ، ثم مستوصف السيح في عام 1381هـ، وفي عام 1383هـ تبرع الملك سعود بقصره الواقع في السيح ليصبح مقراً لمستشفى الملك سعود، أعقبه إنشاء مستشفى الملك خالد في حي الخالدية عام 1406هـ.
أفرد الباحث بعضاً من حديثه عن الصناعات في الخرج حيث ذكر أن الخرج من أهم المناطق الإستراتيجية لنمو قطاع الصناعة، وذلك لقربها من العاصمة الرياض ووجود السكك الحديدية، وقربها من منافذ التصدير الدولي، ويوجد في الخرج الغرفة التجارية الصناعية والتي تخدم أكثر من 376 مصنعاً، ولعل ما يميز الخرج هو التاريخ الطويل في وجود مصانع الأسلحة ومصانع الألبان والمدينة الصناعية الأكبر بعد المدن الصناعية الأولى والثانية في الرياض. كما يوجد في الخرج المؤسسة العامة للمصانع الحربية والتي يعود إنشاؤها إلى عام 1368هـ.
ولا يسعني بعد هذا العرض إلا أن أثمن للدكتور الجعيدي هذا العمل، فالجهد المبذول واضح، ويشكر الباحث رغم مشاغله عليه، فما قدمه للمكتبة السعودية من دراسة بحثية ضخمة ساهمت في سد فراغ كبير لقلة الدراسات التي تناولت هذه المنطقة الحيوية والمهمة في مملكتنا الغالية، راجية أن تكون هذه الدراسة البحثية نواة ومرتكزاً لما بعدها من الدراسات البحثية والتي سوف تسهم بشكل كبير في حفظ تاريخ المنطقة. خصوصًا أنه ما زال هناك البعض من أهالي المنطقة ممن يستطيعون خدمة الباحثين والمؤرخين برواياتهم الشفهية بوصفهم من معاصري الحدث.