العقيد م. محمد بن فراج الشهري
أتساءل ويتساءل الكثير منّا بعد الجريمة النكراء التي ارتكبها أولئك الصبية في محافظة الزلفي, في الأسابيع الماضية والكل يقولون أي فهم وصل إليه أولئك الصبية في العلوم الشرعية والفقه وعلوم الدين بشكل عام؟ ما الذي يفهمه صبي في العشرين أو الواحد والعشرين من علوم شرعية تجعله يتفلسف بمنطق لا يُفهم منه إلا عنوانه, وكل ما قدموه من خطابات هو تكرار لما يقدمه أعضاء داعش, والقاعدة وهذا التكرار مقلق ومهم للغاية, ذلك يحدث لأنه من غير الممكن للإرهاب أن يجد منطقاً آخر, وهنا يكمن التحدي الحقيقي ولحظة المواجهة الفكرية, المستمرة معه. فهذا ديدن القاعدة, وداعش, ومن سار في ركابهم, الزج بصبية لا يعلمون من العلوم الشرعية أو الفقهية إلا ما يسمعون ممن يسيرهم, ويقذف بهم إلى أتون الجحيم في غباوة وبلادة مستحكمة, ومن أستمع إلى حديث أولئك الصبية في المقطع الذي قدموه يجد أن أركان الخطاب الوارد في الفيديو تدور حول تقرير كفر الدولة بزعمهم, واستعراض ما يُرى أنها مظاهر لذلك الحكم بالتكفير, تمكين اليهود, والنصارى, وأعداء الدين, محاربة الدين, ثم سوق مبررات الخروج بأنه لنصرة الدين الذي يواجه تلك الحرب, ولتكون كلمة الله هي العليا على حد زعمهم. وهنا نرى هيمنة العمومية المطلقة على كل تلك التوصيفات التي حملها المقطع الذي ظهروا فيه, والتي تتكرر أيضاً وبذات العمومية منذ ما يقارب العشرين عاماً, إنه انطباع وخطاب عائم أكثر من كونه حقيقة معرفية, وهذه الصفة مشتركة دائماً في كل خطابات الإرهاب والتشدّد, لكنها تمثّل درجات متفاوتة وعادة ما تتخذ المنظمات الإرهابية صغار السن من الشباب من الجهلاء بالدين كأداء لتحقيق أهدافهم على اختلافها من خلال تأصيل أفكارهم السامة في عقولهم القاصرة, باعتبارها عقيدة تستحق أن يفني المرء حياته من أجلها, ويستمر بذلك مسلسل الإرهاب بشقيه التجاري والعقائدي على نحو متبادل, ومن يقوم بتنفيذ مثل هذه العمليات الإرهابية هو إرهابي بدرجة (منفذ) لا أقل ولا أكثر, أما المُخطّطون والمنظّمون, والمسؤولون الحقيقيون فهم الإرهابيون الفعليون الذين يديرون الأحداث من خلف الكواليس ومن وراء الأحجبة, يعيشون بعيداً عن أعين العدالة وأيدي القضاء, ويسوقون الشباب الغُر ويستغلون ضعف إدراكهم وقلة ثقافتهم ليلقون حتفهم في سبيل قضية خاسرة, بينما يرفلون هم في نعيم الدنيا ويتقلبون في ملذاتها ورغد معيشها, وهذا كله أيضاً لا يلغي دورلتوظيف الاستخباراتي العالمي للإرهاب كواحد من زعزعة الأمن في كثير من البلدان, وطالما أرادت تلك الكيانات الراعية للإرهاب أن تجعل العالم في حالة مواجهة مستمرة مع سلاحها الوحيد المتمثّل في الإرهاب وحيث تمثّل إيران الدولة الوحيدة والأبرز في العالم في التعامل مع الإرهاب كسلاح إقليمي, وحيث يواجهها العالم اليوم لا من أجل المشروع النووي فقط، بل من أجل ذلك الدعم والتبني المستمر للإرهاب والإرهابيين والواجب على كل دولة مواجهة إيران وغيرها من رعاة الإرهاب وإيقاف هذا المد الذي تنعكس آثاره على العالم أجمع, أما ما قام به أولئك الصبية فكما قلنا آنفاً هم ينفذون فقط ولا يعلمون من الدين إلا اسمه, والواجب المحتم علينا جميعاً وخاصة أولياء الأمور أن يتنبهوا لشبابهم وأن يحسنوا التربية وأن يعملوا على إيجاد حصانة فكرية وتربوية تمنعهم من الانسياق إلى أتون الإرهاب ومن ثم ضياعهم، حيث تتلقفهم الأيادي الشيطانية لتزج بهم في أتون الفتن ومعاداة أوطانهم ومجتمعاتهم, والخروج على ولي الأمر, وارتكاب جرائم تقشعر منها الأبدان, ليس لها علاقة لا بدين ولا مذهب ولا أخلاق, فهل نعي ذلك ونحاول، بل نقوم بالواجب في حصانتهم وعدم تركهم في ميادين الضياع والهلاك لشياطين الإرهاب وأعداء الإسلام والمسلمين, نأمل ذلك من كل مواطن صالح يخاف على وطنه وأبنائه ومجتمعه ...