عبدالوهاب الفايز
الأيام الماضية شهدت حالة سياسية رأى كثيرون أنها تقدِّم مفارقة مضحكة، مع الأسف. القلعة العسكرية الطائرة (B-52) تهبط في قاعدة العديد في قطر، وهذه تأتي ضمن التعبئة الأمريكية الضخمة في الخليج بعد التصريحات الإيرانية التي تستدعي الحرب!
وجّه المفارقة لمتأملي المشهد هو في موقف (تنظيم الحمدين) الذي أصبح بين حالتين، فمع من يذهب؟ إننا نتألم لموقف الشعب القطري. كيف يفسر الأحداث!
نحن يهمنا الشعب القطري لأنه وجد نفسه غير مستعد لمثل هذه المفارقات والأزمات، فهو مثل بقية أشقائه، يريد استثمار المعطيات التي بين يديه لكي يعيش بسلام، ولكن النظام الحالي لم يأخذه إلى حيث يتطلع ويحلم.
لقد وضع (تنظيم الحمدين) قطر في موقف (الممول) لمشاريع التخريب في المنطقة، وهذا المؤلم، فمئات المليارات من أموال الشعب القطري سُخّرت لأجل مشروع سياسي ذهب بعيداً في طموحه العالمي، والتاريخ يقدّم الشواهد الكثيرة للقادة أو الدول التي أرادت أن تكون أكبر من قدراتها وحجمها السياسي والجغرافي، وانتهت إلى تجرّع المرارة.
الأمور الآن تتكشّف والطموحات تحولت إلى (تورّطات) متلاحقة. لقد أدركنا أن (تنظيم الحمدين) والمخابرات القطرية ليسوا بهذه الكفاءة أو القدرة أو الإمكانية ليتسببوا بما رأيناه وما نراه من أوضاع. هم كالذي يحمل أسفارا. دورهم فقط حصروه في (التمويل)، أي الدعم السياسي لطموحهم مقابل التمويل لمشاريع التخريب في المنطقة. أما اللاعبون الحقيقيون فلن يستطيعوا تقديم التمويل الكبير المستدام، فهذا سوف يكشف أمرهم في برلماناتهم مما قد يتسبب بمشاكل دبلوماسية قد تؤثّر على علاقاتهم.
التطورات كشفت أن قطر ومعها تركيا هما اللاعبان الظاهران في أدوار موكلة لهما. أما اللاعبون الحقيقيون فهم غالباً استخبارات دول غربية، منها بريطانيا وألمانيا والسويد وغيرها من دول غرب أوربا. ولهذا تفسير، فألمانيا وفرنسا تبحثان عن غاز قطر بمد أنبوب عبر عدة دول للاستغناء عن الغاز الروسي، وهذا لن تسمح به روسيا أو بعض الدول التي سيمر عبرها الخط.
أيضاً لا ننسى أن بريطانيا لها ماض استعماري في المنطقة لا تستطيع استعادته لأنها ليست لديها القوة أو النفوذ كما كان سابقاً، لذا تعتمد الآن على استخباراتها لجعل الدول غير مستقرة بواسطة عملائها، وهذا يعطيها موطئ قدم لا تستطيع الحصول عليه بطريقة أخرى، وخير شاهد ما يحدث في اليمن؛ فكلما تقدم التحالف لحسم الموقف، تدخلت بريطانيا عن طريق الأمم المتحدة بمشروع قرار يعيق التقدم. بريطانيا استخدمت الكويت في الستينيات لمشاكسة المملكة، والآن تستخدم قطر ودولاً أخرى.. ولكن بصورة أكثر تعقيداً.
كذلك لا ننسى اللاعب الماهر (التنظيم الدولي للإخوان)، وهو أخطر الجميع، حيث يستند على جماعات ضغط في أوربا وأمريكا أسسها في العقود الخمسة الماضية حتى أصبح تقريباً بنفس قوة اللوبي الصهيوني، وربما يعملان معاً في بعض القضايا، فالمصالح تتقاطع!
مثلاً، الإخوان وعدوا الغرب بتنازلات كبيرة، جغرافية واقتصادية وسياسية، إذا تم تمكينهم، وبريطانيا هي الراعي لتمكينهم، فهي من أسسهم وهي من يدعمهم سواء بتوفير الملاذ لقادتهم، أو بإعطائهم المنصات لذلك، ولا ننسى تحالف الإخوان والنظام الإيراني، حيث هما في خندق واحد الآن لتخريب المنطقة.
مع الأسف، تنظيم الحمدين هو الواجهة أما من يخطط وينفذ فهم أخطر بكثير: ويسمون أنفسهم لنا أصدقاء أو حلفاء!
بالمختصر، (الأتراك ركبوا الإخوان، والإخوان ركبوا قطر)، وهؤلاء المتراكبون جميعهم تحت مطامع القوى الكبرى في المنطقة. تاريخ يتشكّل لشعوب المنطقة، وحسن النوايا قد يكون ثمنه كبيراً!