«الجزيرة» - سالم اليامي:
أكد لـ«الجزيرة» المحلل الاقتصادي فضل البوعينين أن طرح «أوبر» يُعدُّ من كبرى عمليات الاكتتاب الأولي في قطاع التكنولوجيا، ومن الطبيعي أن يحصل على هذا الزخم الإعلامي والمتابعة الدقيقة لسهم الشركة بعد إدراجها في السوق.
وأوضح أن دخول صندوق الاستثمارات العامة في «أوبر» اعتمد على الاستثمار المباشر من الصندوق، والاستثمار غير المباشر من خلال صندوق رؤية سوفت بنك. وقال: أحسب أن الصندوق وازن بين الاثنين، ولم يتوسع في الشراء المباشر خلال دورات الطرح الخاص؛ وهو ما قلّص حصته، وتسبب في رفع تكلفتها، وربما كانت استراتيجيته عدم التوسع في تحمل المخاطر، وهو أمر مقبول إذا ما علمنا أن حصته في صندوق رؤية تحقق له التوازن السعري.
وأكد البوعينين أنه يجب الإشارة إلى الظروف المرتبطة بالحرب التجارية بين الصين وأمريكا؛ وهو ما تسبب في الضغط على الأسواق المالية وتراجعها. ومن الطبيعي أن ينعكس ذلك مباشرة على تحرك سهم «أوبر» في السوق بعد الطرح، وهذا ما حدث بالفعل.
وقال: أعتقد أن دخول صندوق الاستثمارات العامة في أوبر يُعد تجربة مفيدة من جوانب مختلفة، وإن تأثر بالمتغيرات السعرية على المدى القصير؛ فالدخول في شركات التكنولوجيا قبل طرحها ومعرفة آليتها بدقة، والمؤثرات المختلفة، وتعامل السوق معها بعد الطرح، أمر مهم؛ وهو ما يكسب الصندوق خبرات أكبر في التعامل معها مستقبلاً. وأضاف البوعينين: تصنف استثمارات الصندوق ضمن الاستثمارات الاستراتيجية؛ وبالتالي يفترض التركيز على العوائد المستقبلية، وتحييد المتغيرات السعرية قصيرة الأمد. لافتًا إلى أن صندوق الاستثمارات العامة يسعى لتوجيه بعض استثمارات للقطاعات الاستراتيجية، ومنها قطاع التكنولوجيا الذي يعد من أكثر القطاعات تحولاً وتأثرًا بالمتغيرات. كما أن ارتفاع المخاطر في هذا القطاع يمكن استيعابه مقابل سبر أغوار القطاع، والاستفادة منه في عمليات التحول التكنولوجي المحلي، والابتكار على وجه الخصوص، ورفع كفاءة السوق المحلية.
وتعرض سهم «أوبر» في يوم تداوله الأول في بورصة نيويورك الجمعة الماضية إلى ضغوط من الأسواق العالمية، أدت إلى تراجعه، وهو أمر مقبول في تذبذبات الأسهم عند طرحها أحيانًا، وذلك إشارة إلى واقعية الطرح والتأقلم مع تقلبات السوق الذي فرض ضغوطًا على السهم في أول يوم تداول، تمثلت في تعاظم الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، ومخاوف المستثمرين من تكرار سيناريو انخفاض سهم شركة «ليفت» المنافس الأول لـ»أوبر» التي طرحت أسهمها قبل شهر تقريبًا، إضافة إلى ضغوط احتجاجات بعض السائقين في الولايات المتحدة الأمريكية احتجاجًا على الأجور وظروف العمل، إذ كشفت تداولات اليوم الأول لأسهم شركة النقل التشاركي «أوبر» عن نجاح إدارة طرح جزء من أسهم الشركة في امتصاص صدمة السوق غير المستقر باتخاذ منحى متحفظ.
ويحتاج السهم إلى فترة طويلة، قد تصل إلى 6 أشهر، حتى يستقر عند تقييمه الحقيقي في السوق مع استهداف المؤسسات والصناديق الاستثمارية التي تحتفظ بالسهم، ولا تبني استراتيجياتها على المضاربة والبيع السريع.
وعلى الرغم من ازدياد المخاوف في الأسواق المالية العالمية من تراجع أداء الأسهم لأسباب تتعلق بالحرب التجارية بين أمريكا والصين، والتطورات الجيوسياسية، إلا أن إدارة «أوبر» وكبار المستثمرين في المجموعة قرروا التعاطي بواقعية اقتصادية في تحديد سعر اكتتاب متحفظ في تحديد سعر الاكتتاب عند 45 دولارًا، وقبولها تخفيض التقييم من 100 مليار دولار إلى 82 مليار دولار، بما لا يؤخر من خطوة إدراج الأسهم للتداول، وجذب المستثمرين والمتداولين في السوق بعد الطرح.
ويُعد ذلك أشبه بمراهنة على سعر السهم في المستقبل.
ومثَّل الأداء الضعيف لسهم شركة ليفت المنافس الأول لأوبر عامل ضغط وغير محفز للمستثمرين؛ إذ انخفض السهم بأكثر من 23 % من سعر الطرح؛ وهو ما زاد مخاوف المستثمرين من شركات هذا القطاع.
وتسعى «أوبر» لامتصاص الضغوط المتعلقة بأدائها؛ إذ توصلت الشركة لاتفاق مع غالبية كبيرة من نحو 60 ألف سائق، يعترضون على وضعهم كمتعاقدين مستقلين، كانوا قد بدؤوا إجراءات تحكيم ضد الشركة.
وقدرت الشركة أن تبلغ الكلفة الإجمالية للتسويات الفردية مع أجور المحامين ما بين 146 - 170 مليون دولار.
وتشير التطورات وإعادة الهيكلة التي تشهدها شركة «أوبر» في العديد من المناطق في العالم إلى قوة الشركة ومستقبلها الواعد، خاصة بعد استحواذها على منافستها في الشرق الأوسط «كريم»، إضافة إلى إعادة هيكلة أعمالها في العديد من مناطق العالم؛ إذ جمعت الشركة أكثر من 15 مليار دولار من المستثمرين لتعزيز نموها وتوسعها في توصيل الأغذية وشحن البضائع بعيدًا عن جني الأرباح على المدى القصير في ظل خطط متوسطة وطويلة الأجل لجني الأرباح، وهو ما يثبت بُعد النظر والتخطيط السليم لمتخذي قرار صندوق الاستثمارات العامة في السعودية (أحد كبار المساهمين في الشركة) عبر الدخول بمشاريع تقنية حديثة وتطبيقات ذكية ناجحة واستثمارات مجدية على المديَين المتوسط والطويل.
وتوضح تطورات الطرح والمرونة التي تعاملت بها إدارة الشركة تركيز مديري الطرح على استهداف الشرائح من المستثمرين الذين يحافظون على تملك أسهمهم، ولن يسعوا إلى البيع السريع في ضوء استهداف الشركة التوسع والتحول إلى الربحية على المديَيْن المتوسط والطويل.