الحياة بمجملها لا تخلو من الآلام فهي حتمية لا نهائية، فلولا الأمل لتشابهت أيامنا، والكثير من الناس يخشى الألم ويفضل البقاء في منطقة الراحة فلا تراه يجرب أو يطور نفسه أو ينجز.
والحقيقة أن صراع الإنسان مع الألم هو من أصعب أنواع الصراعات التي قد يخوضها، لأنها معركة خاسرة يقينًا يخسر فيها ذاته وسلامه ووجوده، لأنه لا يمكن للكيان البشري أن يستمر دون الألم، فالألم أمر طبيعي يواجه الإنسان في مراحل حياته وقد يكون الألم عضويًا أو نفسيًا أو روحيًا وأياً كان نوعه فإنه وبلا شك يؤثر في الفرد وعلى انفعالاته وسلوكياته وأدائه الاجتماعي.
إن طريقة إدراكنا للألم هي ما تسهل أو تصعِب وجوده، فذوي التفكير التشاؤمي وأصحاب المشاعر القلقة يضخمون الألم لأنفسهم هذا إن كان ألماً وأما إن كان وهمًا لا وجود له فهم اختاروا أن يعيشوه وجعاً وتعباً، ولو أدركنا أن الألم يُضفي لرصيد خبراتنا، وأنه يزيد من قوتنا، ويصقل شخصياتنا، ويكشف لنا ذواتنا وقدراتنا الخفية، لآمنا بوجوده واستشفت أرواحنا من خلاله معاني حياتية كثيرة، ولا يعني هذا أن تستسلم لأي معاناة فإنه يجدر بك أن تحل مشكلاتك وأن تحسن من مسار حياتك بقبول تام لأي آلام قد تواجهها، لأن رفض الألم أو مقاومته يؤججه ويزيده وقبول الألم والسماح بوجوده وإعطائه فرصة أن يأخذ حقه يجعله لا يستقر فيك، بل يمر من خلالك وقد ترك فيك أثراً يانعاً.
لا تركز في الألم ولا تنشغل به وحده، إن كنت خائفاً منه عش شعور الألم كاملاً ووفقاً لذلك اسأل نفسك ماذا سيحدث؟ وماذا سأفعل؟. إن الألم يحمل لك رسالة مفادها: (هناك خطأ ما في حياتك، عليك أن تتطور)، وإن لم تستجب لرسالته وتتحاور معه سيتكرر نفس الألم إلى أن تفهم الرسالة التي يريد إيصالها لك.
ما هو مصدر هذه الآلام؟ يقول الله تعالى: «ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم»، فكل الآلام التي تصيبنا التي نشعر بها نحن من تسبب فيها بشكل أو بآخر بدءاً من طريقة تفكيرنا، ومستوى مشاعرنا المنخفضة التي تجلب لنا أحداثاً موازية، وردات فعلنا الخاطئة، وتخاذلنا وتراجعنا، وعدم اختيارنا بيئة مناسبة جيدة وغيرها، وإن إسقاطك لأسباب آلامك على القدر أو الآخرين أو الحياة هي من الحيل الدفاعية السيئة التي تمارسها دون وعي، لأنه بإمكانك أن تصنع قدرك، والآخرين الذين يستمرون في إيلامك هم انعكاس لما في داخلك، وكل ما تعتقده عن الحياة ستجازيك به.
ينبغي أن تعقد تصالحاً مع نفسك، أن تفهمها، أن تلبي احتياجاتها، أن تراجع معتقداتك وقيمك وما قد يترتب عليها، أن تنشغل بالاستمتاع في الحياة وبرسالتك التي تحيى من أجلها، ومهما كان استشعر أنك ما تزال بخير وأن الأمور على ما يرام، ثم انظر للألم على أنه وسيلة تقودك إلى الحقيقة في العالم الداخلي والخارجي، وطريقة تحفزك على التطوير والتغيير، ومؤشر على وجودك البشري.