هدى مستور
مشكلتي تنحصر في تكاسلي الشديد ونومي عن أداء الصلوات، وأحياناً أعد نفسي بأن أبدأ من جديد وأحافظ على الصلاة ولكن بعدها بأيام أرجع لعادتي القديمة، فماذا أفعل؟
شكراً لصديقنا لشعوره بوخز الضمير، وبعده عن راحة البال لعدم قدرته على المواظبة على الصلاة، ولذا فهو يتعمد إلزام نفسه بها في كل مرة، وإن كان يعود لحالته السابقة.
شكراً لأنك أدركت أن ترك الصلاة كسلاً مشكلة كبرى تستحق التعجل بالحل.
شكراً لأنك قدمتها على سائر مشكلات حياتك.
وهذه كلها مؤشرات تنم عن يقظة قلب، ونقاوة فطرة.
ولكن للتأكد أكثر من سلامة الموقف النفسي لك من الصلاة فلك أن تسأل نفسك وتجب بصدق تام؛ فأنت وحدك المؤهل لتحاكم نفسك:
ما الذي جعل من الصلاة واجباً ثقيلاً عليك؟ اسمح لنفسك بالغوص في أعماق ذاكرتك منذ أن كنت طفلاً، إلى ما قبل سن العاشرة؟!
هل أُستخدم معك التأنيب، التعنيف، المراقبة المريبة، ربط الصلاة بذاكرة التعنيف والإجبار! أم أن الأمر لا يعدو كونه تراخياً وكسلاً من قبلك؟
هل وجدت عذراً للتساهل كأن تسقط ذلك على محاكاتك لوالديك وأفراد أسرتك الذين كانوا يتركون الصلاة ويتساهلون بها؟
هل تفعل الشيء نفسه مع مواعيد محاضراتك؟ أو مواعيد أصدقائك، أو سفرك؟، يعني هل التأخير والتسويف والتفويت عادة لديك؟!
إن كان الجواب بنعم، فلديك ضعف بشأن قيمة الالتزام بصورة عامة، أما إن كان الجواب قاصراً على الصلاة في حين أنك تلتزم بمواقيت وبمهام عملك وارتباطاتك مع أصدقائك، فربما هذا يقودنا لسؤال آخر:
هل لديك شعور خفي وكامن بالغضب أو السخط وعدم الرضا، أو اليأس، تجاه بعض أقدارك، كمرض فقر فشل تعاسة أسرية، فلكونك لا تتمتع بالتصالح مع ذاتك وواقعك تعكس ذلك بالتهاون بشأن الصلاة؟!
الصلاة هي ما تقرر وعلى وجه الدقة مستوى تحكمك بشعورك، وإلى أي مدى تصالحك مع ذاتك، وثبات خط توازنك النفسي (العقلي والعاطفي)!
وعلى أية حال، ستجد الأمر سهلاً جداً، ولا يحتاج منك إلى عهود ومواثيق، إن أنت فقط قمت بمهمتين فقط:
1- أبقيت على نقاوة فطرتك واستجبت لنداء روحك.
2- غيرت منظورك للصلاة.
فالصلاة تعبير عن حالة حب تعيشها روحك وتتفاعل من خلالها مع مصدر هذه الروح المقدسة.
الصلاة موعد ثابت لتلبية نداء الحبيب، والمبادرة بالوفاء في أول الموعد، بأحر شوق وأصدق إجابة وأطهر لقاء.
الصلاة تبث فيك القوة الحقيقية التي تعينك لتلقي ضربات الحياة وتقيك ارتداد لكماتها، فـ»الله أكبر» أول كلمة تفتتح بها صلاتك، تعني تعهد منك بأن الله في مقدمة الأولويات، والتزام منك بأن الله في حسك أكبر من كل المخاوف والشكوك والأوهام والضلالات، وبحضرته تختفي كل الإغراءات والمفاتن والملهيات.
الصلاة في الإسلام ليست صامتة، جامدة، لا حياة فيها ولا روح؛ إذ من أركانها أعمق وأقدس وأجمل حوار بين الإنسان وربه؛ فـ»الحمد لله رب العالمين» إنه مباشر -ودون واسطة- بينك وبين الله -عز وجل-، يبدأ حوارك بإظهار التأدب وكمال التواضع لله بالحمد أما الاعتراف بالفضل والتمجيد بالثناء الحسن «ففي «الرحمن الرحيم- مالك يوم الدين».
وأكرم قسمة وأشرفها جاءت في «إياك نعبد وإياك نستعين» إذ يقول الله على إثرها هذه بيني وبين عبدي: ومن منا قادر على العيش للحظة دون الاستعانة بالله في حفظه وعنايته وتوفيقه؟!
عندها يجيبك الله من علو مقامه وشرف مكانه: ولعبدي ما سأل، ما أعظم هذه البشائر من باسط الأرض ورافع السموات!.
«اهدنا الصراط المستقيم» كم جنبتنا رحمات الله وألطافه كثيراً من الاختيارات اليومية الخاطئة والقرارات اللحظية القاتلة؟!
قلبك وعقلك وجسدك مكوناتك الثلاثة، تتحد معاً في انتظام وتناغم وانسجام، حين تنتقل بين أوضاع الصلاة برشاقة روح، وخفة جسد؛ فالوقوف المنتصب قابضا بكفيك نحو منتصف صدرك، وكأنك تربت على قلبك بحنو وتحمله برفق، وتعيد غسله وتطهيره بكلتي راحتيك، وأنت تتلو آيات خاشعات.
وانحناءات جسدك في هيئات الركوع والرفع منه والسجود، تتفاوت ما بين إظهار التعظيم إلى التذلل والخشوع، وما بين الوقوف المتفرد المهيب بين يدي القدير الجليل إلى التصاق أشرف مواطن السجود، بأرض تمتد فيها الجذور وتعد إليها كل الأجناس والعروق. معان روحية عميقة تتسلل إلى ذرات أعضاء جسدك وتنساب إلى عقلك وقلبك.
كل تلكم الهيئات الانسيابية السهلة، لن تعثر على عمق معناها في حال الوقوف بصلابة خشبة الصليب أو بنقر رأسك مرات عديدة فوق حائط صليد، أو في تأملات بوذية وبراهمية تحتاج منك إلى تدريبات مكثفة، وأوقات مهدرة، وأماكن مخصصة، حتى تجيد الوصول لتجربة تخدر عقلك، وتعطل الإحساس بجسدك، وتأخذك إلى منطقة اللا شيء!
الصلاة بث صادق نجوى، وتعبير عن ضعف وانكسار وأنين وشكوى..
الصلاة صيانة دورية لكل أجزاءك الفيزيقية والميتافيزيقية؛ الشعورية والعقلية؛ ففيها يتم إصلاح خلل، وترميم نقص، وإعادة تشغيل وتأهيل.
الله غني عنك وعن صلاتك، كما أن الصلاة ليست ضريبة ومكوساً تؤدى رغماً عن أنفك، إنما هي تعبير عن شكر وامتنان، وحب واشتياق، وطلب الإيواء لضعف، وغبن، وشدة احتياج.
الصلاة نور يملأ قلبك، ومعه تتلاشى كل ظلمات الخطايا والجهل والزلات.
إذ الصلاة تضعف صوت الأنا الأمارة، وتضيق مجاري الشيطان بداخلك.
الصلاة تعيد ترتيب الأولويات، ومعها كل المستحيلات تضحى من الممكنات.
أنت تخرج من صلاتك وأنت تتمتع بخفة روح، طهارة نفس، ورضا قلب، مجموعة مشاعر لن تجدها بعد لقاء آخر.