الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
يومًا بعد آخر تُظهر نتائج الدراسات العلمية والتجارب البحثية الفوائد الصحية للصوم الذي لخصه خاتم الأنبياء والمرسلين -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: «صوموا تصحوا».
ولا شك أن صحة البدن من مقاصد الشريعة الإسلامية التي جعلها المصطفى -عليه الصلاة والسلام- أحد أركان السعادة الدنيوية والصحة الجيدة من النعم المغبون فيها كثير من الناس.
لقد وعى الأطباء أهمية الصوم، وصاروا يقدمونه على كثير من أنواع الأدوية والعلاجات، وأضحت فوائده لا تقتصر على محاربة الأمراض المزمنة فقط، بل تتعدى ذلك إلى إبطاء مرض الشيخوخة ومرض الزهايمر على خلايا المخ.
«الجزيرة» التقت كوكبة من أطباء مستشفى الحمادي بالرياض، وفي تخصصات طبية مختلفة؛ ليتحدثوا عن المستجدات والمنافع الصحية والنفسية لفريضة الصوم، إلى جانب منافعه الروحية.
الصيام والجهاز الهضمي
بداية يؤكد د. طارق الشعراوي استشاري الجهاز الهضمي أن للصيام علاقة وثيقة بالجهاز الهضمي، وله فوائد عديدة، تعود على الجهاز الهضمي؛ إذ إنه يساعد المعدة المريضة على الشفاء من خلال الحد من الإفرازات الحمضية بسبب انعدام الطعام؛ فعندما تقل إفرازات المعدة، وتتجدد الخلايا، وتتمكن الغدد المخاطية من استعادة قدرتها على إفراز المواد المخاطية التي تغلف الغشاء المبطن للقناة الهضمية، تكون الفرصة سانحة للتخلص من مشاكل مثل: ارتجاع المريء وتقرحاته، بل إن حجم فتق الحجاب الحاجز يمكنه أن يتغير؛ ليكون أصغر؛ وهو ما يعني أعراضًا أقل، ومشاكل أقل في المستقبل. وكذلك تستفيد الأمعاء كمسرح لعمليات تنظيف وتطهير متواصلة من السموم والنفايات والفضلات. كما يساعد الصوم على التقليل من الاضطرابات الهضمية والغازات المتكونة والمحبوسة في تجويف الأمعاء. كما أن الصيام يخفف -أيضًا- من الجهد الذي يبذله البنكرياس خلال عمليات الهضم، وهذا بدوره يساعد على علاج البنكرياس من بعض الأمراض، مثل: التهابات البنكرياس الحادة والشديدة؛ إذ يوصَى المريض بالامتناع عن الأكل والشرب لمدة 48 - 72 ساعة أو أكثر لتوفير الراحة للبنكرياس. والصيام يفيد كثيرًا في تحريك الدهون المخزونة في الكبد الدهني، بل تتحسن إنزيمات الكبد، وتقل معدلات تعرُّض الكبد للمواد السامة والنفايات والأدوية؛ وهو ما يعطيه الفرصة الجيدة للاستشفاء وتجديد الخلايا، وتعويض التالف منها.
الصيام ومرضى القلب
ويتفق د. حسام رماح استشاري أمراض القلب على وجود علاقة وثيقة بين رمضان والصحة، وأنه من المفضل لأي شخص يعاني أمراض القلب أن يقوم باستشارة الطبيب المعالج حول إمكانية صيامه في شهر رمضان. ومن الأمثلة الشائعة حول صيام رمضان والقلب أن مرضى القلب يستفيدون من الصيام؛ لأن الامتناع عن الطعام ساعات عدة يوميًّا يعمل على خفض المجهود الذي يقوم به القلب في ضخ الدم إلى المعدة، كما تقل نسبة الدهون في الدم؛ فيتحسن عمل القلب، ولكن يجب الحرص على عدم تناول كميات كبيرة من الطعام عند الإفطار؛ حتى لا يتم إجهاد القلب. وبشكل عام فإن مرضى الشرايين التاجية والصمامات وارتفاع ضغط الدم الذين لا يعانون أية مضاعفات يمكنهم الصيام بعد استشارة الطبيب المختص، ويُنصح بأن تكون وجباتهم بعد الإفطار خفيفة وموزعة على أكثر من وجبتين متفرقتين؛ حتى لا تمتلئ المعدة، ويجهد القلب. كما يجب الابتعاد عن الأغذية المالحة والغنية بالدهون المشبعة والكولسترول. والمرضى المصابون بالذبحة الصدرية يستطيعون الصيام إذا كانت حالتهم مستقرة بتناول العلاج؛ إذ توجد أدوية يمكن تناولها مرة واحدة أو مرتين في اليوم.
كما أنه لا ينصح بصيام مرضى القلب المصابين بالذبحة الصدرية غير المستقرة، ومرضى الجلطة الحديثة؛ إذ إن الصيام عن الشرب يؤدي إلى زيادة تركيز الدم، ورفع نسبة اللزوجة فيه. وكذلك الأشخاص الذين يعانون أمراض القلب بعد العمليات الجراحية خلال الأسابيع الستة الأولى بعد العملية، والمرضى الذين يعانون قصور القلب الحاد؛ فهؤلاء يحتاجون إلى تناول المدرات البولية وشرب كمية كبيرة من السوائل؛ لذلك يجب عليهم عدم الصيام.
التأثير على الأمراض التنفسية
وتنبِّه د. عبير محمد حمادة استشارية الأمراض الصدرية إلى أن الأمراض التنفسية من أكثر الأمراض شيوعًا بين المرضى؛ لذا تتوجب علينا الإشارة إلى بعض المتغيرات التي يمكن أن تطرأ على طبيعة المرض أثناء الصيام، سواء إيجابيًّا أو سلبيًّا. وللصوم فوائد عدة للمرضى الذين يعانون أمراضًا تنفسية، منها:
1 - يعد فرصة إيجابية لمريض حساسية الصدر؛ لأنه يرفع من حالته المعنوية والنفسية التي تتأثر بها حالة الشُّعب الهوائية. كما أن الصيام يعد فرصة للبُعد عن دخان السجائر المثير للحساسية.
2 - يُعد وسيلة لتقليل ارتجاع المريء الذي يعتبر سببًا مهمًّا لكثير من الأمراض التنفسية، مثل: الكحة والحساسية.
وأشارت د. عبير إلى الاحتياطات الواجب مراعاتها مع الصيام بالنسبة للأمراض التنفسية، وهي:
أولاً: مرضى الربو الشعبي أو حساسية الصدر: يتوجب على المريض شرب سوائل كثيرة بعد الإفطار حتى تقل لزوجة إفرازات القصبات الهوائية؛ ويمكن التخلص منها بسهولة. كما يجب على مريض الربو تجنب الإجهاد بقدر الإمكان خلال الصوم؛ لأن الجهد والجفاف قد يزيدان من أعراض المرض.
ثانيًا: عن نوعية الغذاء المناسبة لمريض الصدر في حالة الصيام يجب أن تحتوي على كمية وفيرة من الفواكه والخضراوات، مع الحرص على تناول الشوربة أو أي مشروب دافئ عند بداية الإفطار، وأخذ البروتينات الكافية، سواء حيوانية أو نباتية لتنشيط الجهاز المناعي وتحفيزه لمقاومة الميكروبات.
أمراض الكلى بين الصيام والرخصة
ويشير د. عبدالرحمن المتوكل استشاري أمراض الكلى إلى أن علماء الطب يعمدون إلى التشجيع على الصيام لما فيه من فوائد، ولما يمثله من فترة راحة للجسم، تهيئ للكلى إتمام عملها بالشكل الأمثل، والتخلص من الفضلات والسموم عن طريق البول. فإذا كانت الكليتان تعملان دون أي اختلال في وظائفهما كان الصيام مفيدًا لهما شريطة عدم إجهادهما بأحمال ثقيلة بعد الإفطار مباشرة، وتناول كميات كافية من الماء خلال ساعات الإفطار، وعدم التعرض للجفاف.
وعودة إلى موانع الصيام، وفي حال وجود أي خلل في وظائف الكلى، فلا بد من تقييم الوضع سريريًّا لمعرفة درجة القصور الكلوي، وفق خمس مراحل، ترتبط بمستوى أداء الكلية لوظائفها. وفي حال تم تشخيص الحالة ضمن المرحلة الأولى فلا يوجد ما يمنع الصيام، وهو ما ينطبق على المرحلة الثانية. أما في المراحل الأخرى فيجب دائمًا مناقشة الطبيب المعالج المتخصص (طبيب الكلى)؛ إذ إن تقييم الحالة يعتمد على جوانب تشخيصية، ويختلف من مريض لآخر. وينطبق ما ورد على المرضى الذين يعانون حصوات في الكلى؛ إذ يحدد حجم الحصوات ونوعها ومكان وجودها ومدى إمكانية الصيام تجنبًا لأي تداعيات على الصحة.
التأثير على الأمراض النفسية والعقلية
ويقول د. عزت عبدالعظيم استشاري الطب النفسي: هناك العديد من الاضطرابات النفسية، مثل: القلق، والاكتئاب، والوسواس، والخوف، والهلع.. وهناك مجموعة أخرى من الأمراض العقلية أيضًا، مثل: الفصام، والهوس، والبارانويا، والاضطراب الوجداني ثنائي القطبية، والهذيان، والخرف، مع وجود اختلافات كثيرة بين كل هذه الأمراض، سواء كان في أعراض المرض وطبيعته، أو نوعية العلاج ودرجة استقرار واتزان المريض، ومدى تعاونه في أخذ العلاج، ودرجة احتياجه للانتظام في أوقات تعاطي الجرعات العلاجية، وأنه من المتوقع حدوث تأثيرات مختلفة للصيام على وضعية واستقرار كل حالة من الحالات النفسية أو العقلية، لكنها تختلف في كل مريض على حدة؛ فغالبًا ما يكون للصيام تأثيرات طيبة، وربما في أحيان أخرى قد تكون سلبية في بعض المرضى العقليين؛ وذلك لعدم الانتظام على أخذ العلاج في المواعيد المطلوبة، أو بسبب أعراضها الجانبية خلال فترات الصيام بالنهار. مشيرًا إلى عدم جواز التعميم؛ إذ إن كل هذه الأمور، سواء كانت إيجابية أو سلبية على جميع المرضى النفسيين والعقليين، يجب معها الرجوع إلى الطبيب النفسي المعالج للمريض لتقييم الحالة، وأخذ مشورته فيما يخص كل مريض على حدة، وبصفة شخصية، واتباع توصية الطبيب النفسي بالسماح للمريض بصيام شهر رمضان من عدمه، ومعرفة ما إذا كان الصيام مفيدًا للمريض أم لا.
المرأة الحامل والصوم
وتوضح د. سحر درغام اختصاصية أمراض النساء والولادة أن الوضع الصحي للحامل له دور بالغ الأهمية؛ لذلك ينبغي لها استشارة الطبيب لتحديد مدى قدرتها على الصوم. وإذا كانت الحامل تتمتع بصحة جيدة، وحملها على ما يرام، فلا مانع من الصوم، مع مراعاة اتباع نظام غذائي صحي متوازن، وشرب السوائل (2-3) لترات، وتناول وجبات صغيرة عدة من الإفطار حتى فترة السحور. مشيرة إلى الأعراض التي يجب التوقف فيها عن الصوم، والتوجه إلى الطبيب عند حدوثها، ومن ذلك: عند الشعور بالدوار، أو الضعف، أو التعب، وعند الغثيان أو القيء، وعند زيادة أو فقدان الوزن، والصداع أو حدوث آلام أو ارتفاع بالحرارة، وحدوث آلام أو انقباضات بالرحم. كما أنه يجب على الحامل عدم الصيام في حالات عدم توازن مرض السكري (سواء قبل الحمل أو نشوء السكري مع الحمل)، وعدم انضباط ضغط الدم المرتفع، وخصوصًا مع تناول الأدوية، وأمراض القلب والأمراض الكلوية المزمنة، وآلام المخاض المبكر، وحالات التقيؤ الشديد، وخصوصًا في الأشهر الأولى.
فوائد وتأثيرات علاجية
ويبيِّن د. طلال أحمد اختصاصي الجراحة العامة بعض الحقائق، هي أن الدراسات الحديثة تشير إلى أن أول الأعضاء التي يتغذى عليها جسم الإنسان أثناء الصوم هي الأعضاء المصابة بالأمراض والشيخوخة، خاصة المحتقنة والمتقيحة والملتهبة؛ إذ تكون أول الخلايا المستهلَكة، وأول ما يتأكسد من أنسجة الجسم ويحترق؛ لذلك فإن الخلايا التالفة والأورام والزوائد اللحمية والأكياس الدهنية والأورام الليفية يصغر حجمها مع الصوم. وهذا ثابت على الصور الشعاعية التي تؤخذ للمرضى. وإضافة إلى ذلك، فإن الذي يقول إن الصوم يعطل التئام الجروح والكسور يكون مخطئًا؛ فقد أثبتت الدراسات العكس تمامًا؛ فإن الجسم يستنفد أنسجته الأقل أهمية في إصلاح الأنسجة الأكثر أهمية. وقد أكدت الدراسات الطبية أن المخ أثناء الصيام يفرز مادة الفيلادين ومادة الأندوفرين اللتين تعملان على ضبط الأعصاب، واستعادة توازنها، وتهدئة الإنسان دون الاستعانة بتناول المهدئات. كما أن هاتين المادتين يزداد إفرازهما عندما يصبر المسلم، ويجاهد نفسه، ويواجه الأمور بعزم متمسكًا بعقيدته.. ويزداد تدفقهما؛ وهو ما يوقف استمرار تيار الألم في العضو المصاب، ومنعه من الانتقال عبر الأنسجة العصبية إلى الجزء الخاص في المخ بتفسير الألم والإحساس به.. أي إن الصوم يعتبر من أعظم طرق الطب الطبيعي لإزالة حالات الشعور بالألم أو تقليل حدوثه على الأقل. كما أن الصوم علاج أساسي لكثير من الأمراض القلبية والجهاز الهضمي والكبد والكلى والمسالك البولية، فضلاً عن دوره في علاج بعض الأمراض الجلدية والضعف الجنسي.
الصوم وصحة الإنسان
ويعدد د. فواز الحوزاني اختصاصي الباطنية الفوائد الكثيرة للصوم التي تنعكس على صحة الإنسان من الناحية النفسية والبدنية، ومن أهمها:
1 - مرض السكري: إذ يتم خفض نسبة سكر الدم إلى الحد الأدنى، وتأخذ البنكرياس قسطًا من الراحة خلال النهار؛ وهو ما يحسِّن وظيفتها بعد الإفطار.
2 ـ البدانة: إذ إن الصوم له دور كبير في إزالة الأنسجة الدهنية الفائضة في الجسم التي تسبب الترهل والبدانة. وهذا يحدث إذا كان الصائم معتدلاً في تناول وجبة الإفطار، ولم يسرف فيها.
3 - الوقاية من جلطة المخ والقلب؛ وذلك لأن الصوم يخفض نسبة الدهون والكولسترول، وهي المسؤولة في حالات كثيرة عن الجلطة وتصلب الشرايين.
4 - الوقاية من مرض النقرس أو ما يسمى داء الملوك؛ إذ يقوم الصائم بإنقاص كمية اللحوم والبقوليات المتناولة؛ وبالتالي ينقص حمض اليوريك في الدم، وهو المسؤول عن مرض النقرس بتموضعه في الأنسجة والمفاصل.
5 - الوقاية من تشكُّل الخلايا الورمية بفضل عملية الهدم والبناء التي يُحدثها الصوم.
6 - الوقاية من الحصوات الكلوية.