رقية سليمان الهويريني
بالرغم من انطلاق الدعوات الصادقة قبل دخول شهر رمضان لاغتنام روحانيته بما يحمله من مُثل وقيم عليا دعا لها الإسلام؛ إلا أن استمراء أغلب الناس السهر والأكل حتى طلوع الفجر والنوم بعده والاستيقاظ مع أذان المغرب يفقد هذا الشهر هدفه ومضامينه.
وحين فرض الله ركن الصوم فإنه ضمّنه معانٍ عديدة من الإيمان والصبر والجلد في مواجهة العطش الشديد والجوع الموهن. حيث يمر شهر رمضان في دورته خلال جيل واحد بجميع فصول السنة من صيف وشتاء وربيع وخريف طيلة ثلاث وثلاثين عاماً هي الدورة الكاملة له.
وفي كل عام يبرز المستثمرون بكافة أنشطتهم وأنواع تجارتهم لجر الناس نحو الاستهلاك المتلف للوقت والمال والصحة. وأصبح من المألوف إقامة الزيارات الرمضانية الباذخة ودعوات الأكل والتفنن في الموائد عند الإفطار بدلاً من الانضمام العائلي حول بعضهم. حتى أن بعض الأسر تحتاج لخادمة إضافية للقيام بالأعباء المنزلية المنهكة، في ظل الإسراف والتكاليف في بسط الموائد.
ويحاول الأطباء تفسير مضامين رمضان واقترانها بالصحة، وأن الجسد بحاجة إلى الراحة مدة شهر كامل لتسترد الأعضاء عافيتها وتخف ماكينة المعدة عن الطحن، بل إن بعض المراكز العلاجية تستخدم الصيام في علاج بعض الأمراض التي تصيب المخ والمتعلقة بالأوعية الدموية كالزهايمر والشلل الرعاش، وأن الصيام يخفض السعرات الحرارية، مما يزيد من مقدار الخلايا العصبية التي تنشّط الأعصاب، ودوره في الوقاية من بعض أمراض السرطان، فله نفس قدر العلاج الكيماوي لسرطان الثدي والجلد والمخ حيث يساعد على بطء نمو الأورام السرطانية. إلا أن المعنى تغير تماماً حيث تزداد في رمضان التخمة، ويكثر مراجعو العيادات الهضمية، ويشكو كثير منهم من الكدر والكآبة لاختلاف مواعيد النوم وتنوع الطعام وكثرة الدهون والحلويات والمنكهات.
ألا ترون أن تحول رمضان لشهر النهم والأكل والنوم والفوضى لا يليق بالمسلمين الذين اختصهم الله به؟ بل يجدر بهم استثمار هذا الشهر العظيم بما يقربهم للخير والتقوى والورع والإيمان العميق والصبر الجميل.