د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
أشاد صندوق النقد الدولي بالإصلاحات في السعودية التي بدأت تحقق نتائج إيجابية؛ إذ بدأ ينتعش النمو غير النفطي، وزادت مشاركة النساء في سوق العمل، وارتفعت مستويات التوظيف.
ولا يمكن أن تحتل السعودية المركز الـ21 من حيث الصادرات السلعية خلال عام 2018 وتسبقها دول صغيرة مثل سويسرا وسنغافورة وهونج كونج وهولندا التي احتلت المركز الخامس، وحتى الإمارات التي نجحت في تطبيق الإصلاحات الاقتصادية؛ وهو ما مكَّنها من أن تحتل المركز الـ16، والسعودية بموقعها ومكانتها واحتياطياتها الضخمة من النفط والغاز تحتل هذا المركز المتأخر.
لذلك تواصل المملكة الإصلاحات الاقتصادية التي هي في حقيقتها هيكلية، وبشكل خاص القضاء على ما يسمى بالاقتصاد الخفي الذي يدمر اقتصادات الدول، وهو عقبة أمام تطور أي اقتصاد ونموه، ويتسبب في ارتفاع نسبة البطالة، وخصوصًا أن الاقتصاد الخفي يتسم بأنه اقتصاد منافس شرس، يقضي على مشاريع الشباب الطموح بسبب اعتماد الاقتصاد الخفي على العمالة المتخفية وغير الشرعية التي تعمل بأجور زهيدة.
لذلك إذا أردنا تصحيح الوضع بشكل كامل فينبغي إيقاف مسمى الكفيل الذي يتستر به المكفول لقاء إعطاء الكفيل مبالغ زهيدة جدًّا، لا تتناسب مع حجم تجارته غير المشروعة بسبب ممارساته التجارية باسم الكفيل حتى أصبح مثل هؤلاء لديهم ثروات طائلة، بعضها غير مشروع، وفي الوقت نفسه إيقاف ابتزاز بعض الكفلاء للمكفول؛ لذا فالإقامة المميزة تحقق العدل لجميع.
من أجل بقاء هذه الاستثمارات وتدويرها داخل الاقتصاد الوطني بطرق مشروعة، تحفظ حقوق الجميع، وتحت نظر الدولة، تطبَّق التشريعات النظامية، وخصوصًا أن الدولة تبنّت نوعين من الإقامة المميزة، غير محددة المدة، ولسنة واحدة قابلة للتجديد، وهي بداية تشريعية لتصحيح الهيكل الاقتصادي، وفي الوقت نفسه حفظ حقوق جميع الأطراف، وللاحتفاظ بهذه الاستثمارات داخل الاقتصاد الوطني بدلاً من خروجها من البلد.. بل الإقامة المميزة جاذبة لضخ استثمارات أخرى جديدة ترغب في العمل داخل السعودية بسبب أن السوق السعودية سوق نشطة، ومستقرة. وقبل تشريع الإقامة المميزة كثير من استثمارات الدول التي عانت الحروب كانت تبحث عن مناطق آمنة، فمنها ذهب لتركيا، وبعضها الآخر إلى ألمانيا، ودول عربية أخرى كانت تتمنى أن تدخل السعودية.
الإقامة المميزة ستكون حلاً للمستثمرين أو من لديهم ملاءة مالية، تُمكنهم من تملك العقار والتنقل والسفر، وبذلك تم تصحيح الاقتصاد السعودي بالقضاء على الاقتصاد الخفي المتستر، وفي الوقت نفسه سيزيد ذلك الحراك الاقتصادي السعودي، ولن تزيد نسبة البطالة، بل بالعكس؛ فهي من شروطها توطين اليد العاملة السعودية بين 50 في المئة و100 في المئة بحسب نوع النشاط الذي يمارسه صاحب الإقامة المميزة، وخصوصًا أن هناك أنشطة خدمية حتى الآن يرفض الدخول فيها الشباب السعودي ريثما يتم تدريبهم للانخراط في تلك الأعمال، مثل أعمال الصيانة والإنشاءات التي ما زالت تستحوذ عليها العمالة الأجنبية التي تمتلك خبرات متراكمة، وخصوصًا أن عدد السكان غير السعوديين بلغ 12.2 مليون نسمة، وهو ما يمثل نسبة 37 في المئة من إجمالي عدد السكان. وهذه الخطوة فرصة لتصحيح أوضاع العمالة غير الشرعية أو المخالفة.
الإقامة المميزة هي إحدى المبادرات الناتجة من رؤية المملكة 2030 التي تسعى من خلالها إلى تعزيز وجودها على خريطة جذب الاستثمارات العالمية، وتعزيز تنافسية الاقتصاد السعودي. وهذه الخطوة تسهم في انتقال كثير من الشركات العالمية للعمل في السعودية، وهي خطوة لدعم نشاط المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي ستتمكن من الاستفادة من الشركات الكبرى التي تدخل السوق السعودية.