د. أحمد الفراج
لكل حدث، مهما بلغ من السوء، جانب إيجابي. ففي خضم الأزمة الحالية تحاول أمريكا وحلفاؤها درء الخطر الإيراني، بعدما تجاوزت كل الخطوط الحمراء بالتوسع ودعم التنظيمات الإرهابية، وتحدي المجتمع الدولي، وتهديد جيرانها، وذلك بعد أن منحتها إدارة الرئيس أوباما كل ما تحتاج من تحالف وثيق وأموال، قبل إنجاز الاتفاق النووي وبعده، حسب مستشار أوباما الخاص بن رودس، وهو الاتفاق الذي أغضب الرئيس ترامب؛ فقطع عهدًا على نفسه بنقضه، وقد نفذ وعده الانتخابي، وانسحب من الاتفاق، ومنذ ذلك الحين جهز مسرح مواجهة إيران، التي يؤمن جنرالات البنتاجون بأنها تمثل تهديدًا حقيقيًّا لمصالح أمريكا وحلفائها؛ فعزل الحمائم، واستقطب الصقور، وعلى رأسهم وزير الخارجية مايك بومبيو، ومستشار الأمن القومي جون بولتون.
المواجهة مع إيران حقيقية، ولا تعني المواجهة بالضرورة قيام حرب محتومة وعاجلة؛ فعندما تحشد أمريكا قواتها، وتخسر مليارات الدولارات، فالأمر قطعًا ليس للنزهة، بل لمواجهة إيران بحزم؛ فمشكلة نظام طهران أنه نظام أيديولوجي فاشٍ، وهذه الأنظمة لا تؤمن بالحوار، وليست مستعدة أن تتنازل عن سياساتها التوسعية ذات الطابع الديني، كما أنها لا ترغب في عقد صفقات سلام مع جيرانها، فمن يبشر بتصدير الثورة لا يمكن أن يرغب بالسلام. وقد ناورت إيران على مدى أربعة عقود، سواء تحت حكم من يسمون بالمعتدلين أو نظرائهم المتشددين، ولكنها تظل محض مناورات لكسب الوقت؛ فسواء كان الرئيس معتدلاً أو متشددًا تظل الكلمة العليا للمرشد الأعلى، الذي يقول فيطاع، ولم أنخدع يومًا برئيس إيراني معتدل طالما أنه لا يخرج عن طاعة المرشد الأعلى علي خاميني.
في أوج هذه الأزمة تمايزت الصفوف، وأعلن حلفاء إيران مواقفهم صراحة وبلا مواربة، ويأتي في مقدمة هؤلاء أركان الحزب الديمقراطي الأمريكي، وخصوصًا ورثة أوباما، مثل مرشح الرئاسة برني ساندرز، الذي ظهر على قنوات التلفزيون الأمريكية، وأعلن أنه يعارض أي تحرك ضد إيران، وصب جام غضبه على أهم حلفاء أمريكا التاريخيين، أي المملكة. وموقفه هذا ينبع من عدائه لترامب، ولتذهب مصالح أمريكا العليا للجحيم. ومثله ساسة ديمقراطيون آخرون كُثر. وتنفخ في هذه الحملة، التي تكاد تصطف مع حكام طهران، وسائل الإعلام المعادية لترامب، وفي مقدمتها قناة سي إن إن، وصحيفة الواشنطن بوست. ومن يتابع هذه الحملات ضد عزم إدارة ترامب على مواجهة إيران يدرك أن المستهدف فيها هو ترامب وحلفاء أمريكا، وإلا مَن يخفى عليه خطر إيران في أكثر المناطق التهابًا حول العالم؟ وسيتواصل الحديث.