د.ثريا العريض
في رمضان بالذات تظهر الفروقات الاقتصادية بين طبقات المجتمع وفئاته واضحة بكل حدتها وخطورة تداعياتها. ومع هذا يظل التساؤل الوجيه: كيف في مجتمعات التكافل نجد التنمر والإقصاء والتهميش الطبقي؟ هل كان مسبب الثورات غليانًا داخليًا ذاتيًا؟ أم جاء في كل الحالات أو بعضها إشعالاً بفعل فاعل خارجي استتر في كل موقع وراء قناع مختلف مموه الملامح؟
في تونس أشعل شاب محبط الشرارة الأولى في نفسه رافضًا الفقر والعوز والبطالة والتجاهل الذي تركه لا خيار له لكسب العيش سوى عربة خضار يتجول بها محاولاً بيعها, لتأتي من تمنعه باسم النظام وتنهره وتهينه أمام الجميع.. سرعان ما أثار انتحاره المؤلم موجة غضب شعبي عارم أحرق شرعية النظام. وامتد الشرار عبر هشيم عربي يحتج على جفافه في العراء.
أتفهم منطقيًا أن يتعاطف معه أو يقلده الشباب الذين يعانون من إيجاد حل مقبول لمعاناة مشتركة من البطالة وعدم القدرة على إرضاء احتياجاتهم الأساسية من تأسيس بيت وتكوين أسرة.. ولكن الاحتجاجات شملت أيضًا رغبات وطموحات أخرى فئوية ومشبوهة ممولة ومشجعة من خارج البلاد.
دخلنا رمضان 1440 ونحن كمجموع نسمى عالميًا «مسلمون»; وهو تصنيف أمسى -مع الأسف- مرتبطًا لدى الكثيرين بجهل أو تجهيل مقصود، بأفعال سلبية تستهدفهم بالعدوان وتصنفنا مستحقين لردود فعل سلبية غاضبة وإقصائية من وجهة نظرهم. وربما ما يجمعنا إلى جانب الإسلام الفعلي والهوية التي ولدنا بها أبناء لآبائنا, هو ما نعاني من رفض الآخرين لنا كمجموع تشمله وصمة تطرف البعض منا في رفض الآخرين إلى حد استعداء الغير ضد كل من يصنف مسلمًا.
قد يكون لأمريكا تبرير معقول في رفضها لحزب الله والحرس الثوري الإيراني وتصنيفهم منظمات إرهابية, ولكن ليس لديها عذر في التسامح مع التهجم على مواطنيها المسلمين أو تقديم القدس أو الحولان هدية لإسرائيل لبناء المزيد من المستوطنات.
والأصعب من كراهية الآخرين لنا, أن نرى بُعدنا نحن كمجموع عن روح الإسلام وتعليماته السامية حين تستشري بيننا فتن التفرقة وتحقير بعضنا للبعض, ونعاني من علل التسيس والتجهيل والحزبية والأدلجة التي تحلل الإقصاء والتكفبر والتدمير وتتغاضى عن تهميش الضعوف وإذلالهم.
أجل هو فعلاً وقت التذكير: رمضان لممارسة الفرد التقرب إلى الله إيجابيًا وتطبيق روح الدين في التعامل, وليس للانشغال بالتخطيط لتدمير أحد قريب أو بعيد والتنفيذ مع الاحتفاظ بتصنيف «مسلم» كمظلة تشرعن الإجرام على طريقة داعش. رمضان للتقارب والشعور بالأخوة الإنسانية التي تحنن قلوبنا على القريب والبعيد حتى لتحبب إليه أن يختار الانضواء تحت هذا الدين الرائع.. دون حاجة لإقناعه بمثاليات يراها واضحة في تصرفاتنا وممارساتنا على أرض الواقع.
كل عام ونحن أقرب روحًا وفعلاً إلى الإسلام الصحيح الجامع للجميع.