الأخلاق الفاضلة هي من أكمل درجات الإيمان، وتزيده رفعةً وجمالاً، وهي عبادة مأجور فاعلها، ومعاقب تاركها.. وإنها من أصل الإيمان، وعقيدة قبل أن تكون سلوكًا ظاهرًا للفرد. وحينما يستشعر المؤمن أن الأخلاق ذات صلة وطيدة بالإيمان وعقيدته سيجتهد في تحسين سلوكه وأخلاقه؛ ليتحقق له القلب الصافي المحب في الله وبالله. وهذا من تمام إيمان المؤمن. وتُعتبر الأخلاق الفاضلة من العبادات التي لا تكلِّف فاعلها أي مجهود بدني، بل يرتقي بأخلاقه لأعلى درجات الإيمان.
وقد تحلى رسول الله الكريم بحسن الخلق، وكمال الصفات، ومكارم الأخلاق التي هي من أساسيات كل مسلم بأن يكون عند ربه من المرضيين، وعند الناس من المقبولين، كما وصفته السيدة عائشة -رضي الله عنها-: «كان خلق رسول الله القرآن». قال تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ.}
وإن أكثر ما يُدخل الناس الجنة يوم القيامة حسن الخلق، والمعاملة الحسنة، وهي من أكثر الأعمال ثقلاً في الميزان، وجالبة لمحبة الله لعبده المؤمن الحريص على تمسكه باستقامة سلوكه ونفسه، وحفظ جوارحه، وعدم إيذاء الناس. وصاحب حسن الخلق من المقربين من قلوب الناس، وله ذكر محمود، وهي من علامات رضا الله عنه قبل دخوله الجنة.
فحسن الخلق أخي المسلم يحدد مصيرك.. فمحبة الناس من محبة الله سبحانه وتعالى؛ إذ قال رسول الله: «ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق».
ورُوي عن النبي الكريم أنه قال: «إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم».
قال أحدهم للرسول ذات مرة: يا رسول الله، إن فلانة يُذكر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها. قال صلوات ربي وسلامه عليه «هي في النار».
فحسن الخلق يعلّمنا الصبر، وهو من الأسس الأخلاقية التي يقوم عليها الخلق الحسن. فالصبر يحمل الإنسان على الاحتمال، وكتم الغيظ، وكف الأذى والحلم والأناة والرفق.. وغيرها من المحاسن التي يجب على المؤمن التحلي بها في سلوكه، ونمط تعاملاته مع الآخرين في جميع أوقات وظروف الحياة. فالنزعة الأخلاقية شديدة الارتباط بالنزعة الدينية؛ فلا دين بلا أخلاق، ولا أخلاق بدون دين.
وإن المسلم مطالَب بأن يتصف بحسن الخلق في كل وقت وحين.
وفي الصيام نحن مطالَبون بالكثير من هذه الأنماط وتعديلها، وتهذيب النفس، والارتقاء بها في ديننا ودنيانا.. لكننا نرى بعض الناس لا يهتم لمثل غض البصر عما يشغل القلب ويلهي النفس عن ذكر الله، ويجعل للشيطان له مدخلاً. وكذلك لا يهتم بحفظ اللسان والجوارح عن الفحش والخصومة، بل يتعدى للسباب والشتائم.
ففي شهر الصيام أنت مطالَب أخي المسلم بأن تحرر النفس من العادات اليومية المألوفة، وليس مجرد الحرمان من الطعام والشراب، بل حرمان منع النفس من الإتيان بالشهوات المحظورة، ونزواتها المنكرة. وفي الحديث قال عليه الصلاة والسلام: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله -عز وجل- حاجة في أن يدع طعامه وشرابه».
بل إن النبي - صلوات ربي وسلامه عليه -روى عن ربه- جل في علاه - أنه قال: «كل عمل ابن آدم له إلا الصيام؛ فإنه لي، وأنا أجزي به. الصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابَّه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم».
فالصيام يربي المسلم عن الابتعاد عن مظاهر الغضب والانفعال مما نراه الآن في مجتمعنا من الانفلات اللغوي والمشادات العصبية بالكلام بحجة «إني صائم ولا أتحمل، وإن المزاج متعكر»!! فهؤلاء الفئة يُظهرون أخلاقهم السيئة، ويرون أن على المجتمع تقبُّل ما يقومون به من غوغائية نتيجة لنقص ما ألفوا على تناوله بكثرة كالنيكوتين والكافيين والسكريات التي نقصت من جراء الصيام من الجسم، وهم يعبّرون عن ذلك بهذا الإفراط الهائل من اللاوعي، والحالة المزاجية التي وصفوها لأنفسهم «إننا عصبيون، ابتعدوا عنا»!!
لنُربِّ النفس أخي المسلم، ونفز في شهر الخير، ونجاهد أنفسنا، ونفر إلى الله، ونحقق لشيطان الهوى الخسران والهلاك.. وصدق الرسول الكريم حين قال «الصوم جُنَّة».