جملة من حديث لكنها كـ(موضوع) طالما أشغلني ولا أدري كيف ومن أين أبدأ به حتى وقعت على مقال طويل للدكتور «علاء الأسواني» - طبيب أسنان- أخذت منه جزئيات.. عساها تبلّغ مرامي وبالتالي تجلي للعنوان.. أو هي مقتطفات من مادة هذا الطبيب الحذق.. الصياغة لأنها تدور حول ما هو أعم من مرادي.. وأطمّ لما أصبحت طابعاً (لا تتعجّبه) في مجتمعنا العربي، وهي: (ظاهرة) سبق إلى تشخيصها ومن ثم التحذير منها من أُوتي جوامع الكلم صلى الله عليه وسلّم صح عند البخاري قوله: {مَن لم يَدَعْ قول الزُّور والعملَ به والجهلَ، فليس للهِ حاجةٌ أن يَدَعَ طعامه وشرابه} فـ(قول الزور): الكذب وقول الباطل.. (والعمل به): يعني العمل بالباطل.
(والجهل): السَّفَه، سواء أكان سفهًا على النفس أو على الآخرين، ويدخل في الجهل جميع المعاصي وهذا -اليوم- يسميه علماء الاجتماع: انفصام الشخصية المجتمعية وهي -الظاهرة- تعكس الجهل التام بجوهر الأديان السماوية مفادها «إن الفضيلة تتحقق بطريقتين لا ثالث لهما: إما تدين حقيقي مرادف تماماً للأخلاق. وإما عن طريق الأخلاق وحدها حتى ولو لم تستند إلى الدين...»
ثم استرجع (د. علاء) حادثة جرت في عام 1664 يوم كتب الكاتب الفرنسي الكبير موليير مسرحية أسماها «تارتوف»، رسم فيها شخصية رجل دين فاسد يُسمى تارتوف، يسعى إلى إشباع شهواته الإنسانية الرخيصة وهو يتظاهر بالتقوى.. وقد ثارت الكنيسة الكاثوليكية آنذاك بشدة ضد موليير ومنعت المسرحية من العرض خمسة أعوام كاملة.. ورغم المنع، فقد تحولت مسرحية تارتوف إلى واحدة من كلاسيكيات المسرح، حتى صارت كلمة تارتوف في اللغتين الإنجليزية والفرنسية، تستعمل للإشارة إلى رجل الدين المنافق.
ويذكر بعدها ما يسند مما جرى في عصرنا/ في عام 2007.. وحين تم تنظيم جائزة أدبية عالمية تقام سنوياً، بقيمة حوالي مليون دولار، باسم/ جائزة القذافي لحقوق الإنسان.. وتم تشكيل لجنة من مثقفين عرب كبار لاختيار كل عام كاتباً عالمياً لمنحه الجائزة.. وفي العام الأول قررت اللجنة منح الجائزة للكاتب الإسباني الكبير (خوان جويتيسولو) البالغ من العمر 78 عاماً..
ثم كانت المفاجأة: فقد أرسل الفائز - جويتيسولو- خطاباً إلى أعضاء اللجنة يشكرهم فيه على اختياره للفوز بالجائزة، لكنه أكد في نفس الوقت أنه لا يستطيع، أخلاقياً، أن يتسلّم جائزة لحقوق الإنسان من نظام القذافي الذي استولى على الحكم في بلاده بانقلاب عسكري ونكل، اعتقالاً وتعذيباً، بالآلاف من معارضيه..
رفض الكاتب جويتيسولو جائزة بحوالي مليون دولار، لأنها فقط/ لا تتفق مع ضميره الأخلاقي.. قارب الثمانين (وقد يكون بأشد حاجة للمال.. ولو لأخذه وتسليمه لجمعيات خيرية) لكنّه آثر المبدأ هل نسأل هنا: كم مثقف أو حتى عالم دين في العالم العربي كان سيرفض الجائزة..؟
ويختم (د. علاء): (الأخلاق بلا تدين أفضل بكثير من التدين بلا أخلاق.. فذلك لا يسيء لأحد أما الثاني فيسيء لله وللرسول ولجميع)..
وتلكم هي ما أوجزت بختامها آية الصيام (تقوى الله جلّ وعلا) أي تحقيق أعظم مطلب وأنبل غرض، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة: 183]، وتقوى الله تعالى تكونُ باتِّباع شرعه وعبادته وطاعته، بفعل (كافة) ما أمر به وترك (كافة) ما نهى عنه.
وأُذكّر بما أوجزه أهل أصول الفقه/ أن تطبيق حرمة الشيء هو أولى من تطبيق الأوامر الشرعية لأن التحريم أتى الأمر به قطعياً: (فانتهوا) فيما الأوامر عُلقت بـ(ما استطعتم).