نفخر دومًا بأن العمل الخيري صفة حميدة في مجتمعاتنا، لما يقوم به المحسنون من بذل المال والجهد بين المحتاجين وكانوا يحرصون على صفتين هما: المداومة على عمل الخير وإخفاء ما يقومون به ابتغاءً لوجه الله ورغبة في الحصول على الأجر في الآخرة وأن يشملهم الوعد النبوي، فعن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: إِمامٌ عادِلٌ، وشابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّه تَعالى، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المَسَاجِدِ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا في اللَّه: اجتَمَعا عَلَيهِ، وتَفَرَّقَا عَلَيهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ، وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخافُ اللَّه، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فأَخْفَاها، حتَّى لا تَعْلَمَ شِمالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينهُ، ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّه خالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ متفقٌ عَلَيْهِ).
لذا في ثقافتنا الإسلامية هناك حث على إخفاء العمل الخيري والإنساني وما تقدّمه من معروف ومساعدة للآخرين، مع إظهاره فقط في حال تحفيز الآخرين للمساهمة أو المشاركة فيه، بل إن كثيراً من القصص والحكايات اكتشفت أو عرفت بعد وفاة فاعليها نتيجة حرصهم أن يكون عملهم خالصاً لوجه الله ولكن أثر أعمالهم أظهرتها وكانت تعرف بأن من قام بها هو (فاعل خير)، وجاءت وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي والتي تنشر وتحفل بالعديد من القصص والحكايات عن التبرعات والصدقات والأعمال الإنسانية حتى إنه يخيل إليك أن هناك فائضاً كبيراً في العمل الخيري ولكن عند ملامسة الواقع ترى أثره لا يتناسب مع ضجيجه الإعلامي، فانتشرت مقاطع فيديو وصور وقصص ومحاضرات عن ما يقوم به المتبرعون شرقًا وغربًا باحتفالات ولقطات تصور كل ذلك، بل تعداه إلى نشر قصص وحكايات وصور عن ما يقوم به البعض مع عمال النظافة والمساكين وطالت أيضاً والديه وأبناءه وتصويرهم وهو يقوم برعايتهم والاهتمام بهم حتى وهو يزورهم في المستشفى وتحولت إلى شكل من الدعاية والإعلان ساهم في انتشارها مبدأ البحث عن الانتشار و(عدم المحاسبة) على حقيقة المعلومات والقصص والأخبار والتبرعات وعدم مراقبة مواقع التواصل الاجتماعي وكشف الزيف أو المبالغة في ما يتم الإعلان عنه أو على الأقل حقيقة ذلك لمكافأتهم وتحفيزاً للآخرين وبأن ما يقومون به حقيقي وليس للظهور الإعلامي والاجتماعي والتغرير بالمتابعين. فالفوضى التي تشهدها وسائل التواصل الاجتماعي في الإعلان عن المنتجات واكتشاف زيف الكثير منها والتضليل في المعلومات والفوائد والجودة جعل الجهات الرقابية (تجرِّم) التغرير بالمستهلكين بترويج منتجات أو خدمات أو أماكن فيها مبالغة وتغرير بالمتلقين لا سيما أنها تصدر بطريقة عفوية وكأنها حدث طبيعي، علماً بأنها مادة إعلانية مدفوعة الأجر لذا يتوجّب ذكر ذلك في الرسالة سواء من المشاهير أو الناس العاديين وتنبيه المتلقين أن هذا إعلان مدفوع الثمن للترويج لهذه المعلومة، نتمنى أن يكون العمل الخيري منتشراً ومتشعباً ويخدم كل محتاج في أي مكان بعيداً عن البهارات أو الملح الزائد من أجل تحقيق شهرة ومكانة اجتماعية ولو على حساب الإنسانية وخرق واستغلال حاجات وضعف نفوس الآخرين.
لذا نأمل أن تكون هناك نشرات دورية معتمدة تظهر الجهود والمساهمات الخيرية والبعثات التعليمية والدورات التدريبية والتوظيف ومركز العلاج وغسيل الكلى وترجمة الكتب وكل العمل الإنساني والذي ما يمس حياة واحتياج وتطوير أفراد المجتمع، مع نشرها في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي تقديراً لما يقدّمه رجال الأعمال من عطاء وبذل على جميع الأصعدة والدور الإيجابي والمساهمة المجتمعية (الحقيقة) لما يقومون به والذي يستوجب الدعاء لهم وأخذهم كنماذج تحفيزية تصيبنا جميعاً بعدوى البذل والعطاء بعيداً عن الباحثين عن العمل الخيري (الإعلامي) المليء بالتبهير والتمليح.