د.فوزية أبو خالد
من يريد أن يكتب ليجاري الأحداث فإن الأحداث باتت أسرع من القلم..
ومن يريد أن يُعلم لينقل معلومات فإن محرك جوجل أسرع وأوسع من المقررات..
ومن يريد أصدقاء وجيرانًا وجمهورًا فإن الفيسبوك وسنابشات وتويتر أقصر الطرق لدفء الصداقة ولألفة الجيرة ولنجومية المنصات.
هذه بعض تحديات اللحظة الراهنة وهي ليست تحديات تقنية بحتة بقدر ما هي تحديات معرفية وعلمية وتحديات سياسية واجتماعية.
وعليه فإن من يريد أن يفهم فعليه بنعمة القراءة المعمقة ونعمة السؤال ونعمة الخيال وهي من النعم التي تكاد تصبح من النعم المعطلة مثل تعطل السلام في أوقات الحرب وتعطيل الفرح في أوقات الحزن وتعطيل الكثير من الحقوق الدستورية والمدنية في ظل قانون الطوارئ.
لم يعد تحدي الكاتب في صحافة اليوم ملاحقة الأحداث أو حشد المعلومات، بل عقلنتها ما استطاع لذلك سبيلاً وتحليلها والبحث عن نقطة ضوء تقاوم الحلكة وعن قطرة أمل تتمرد على اليأس.
لم يعد تحدي أستاذ الجامعة اليوم حشد المعلومات ولا التباهي بتقديم الإحصاءات والأرقام خاصة في العلوم الاجتماعية، بل أصبح التحدي هو القدرة أو اختراع القدرة لو كانت غائبة على تقديم القراءة المنهجية الإبداعية التي تستطيع التفكيك والربط والنقد وقراءة الأرقام قراءة نوعية وتحليل هذا الكم الهائل وغير المسبوق من المعلومات والأحداث المتراكمة أمام الطلاب وأمام نفسه.
وبما أنني عملت وأعمل في المجالين أي مجال الكتابة ومجال المعرفة الأكاديمية للعلوم الإنسانية فإن مثل هذه الأسئلة المؤرقة ومنها السؤال المحدد على سبيل العينة وهو سؤال، كيف يمكن كتابة مقال أو تقديم محاضرة أو بحث بالشروط الجديدة للتقنية وبروح تحديات الألفية الثالثة لا بروح الكتابة والتدريس المعتادة والسائدة ما قبل الثورة المعلوماتية وما قبل فض طمأنينة المعلوم السياسي، تشكل لي قضية شخصية بقدر ما أنها تشكل قضية ضمير عام لكل الكُتاب والأكاديميين الشغوفين على حد علمي.
ما هيج هذا الشجن وأثار التساؤلات حوله وفيه على شاشتي وإن كان هاجسه لا يكف عن مطاردتي في تعالقه مع سؤال حرية التعبير كلما أختليتُ بأدوات العمل أو تعثرتُ في محاولة إيجاد حل جذري يرتفع بالكتابة والتدريس والبحث من الأساليب المعتادة نحو فضاءات نقدية وإبداعية تكون في مستوى تحدي المرحلة، هو طبيعة الموضوع الذي كنتُ أزمع كتابته لمقال اليوم.
لقد وجدتُ نفسي وجهًا لوجه مع نفسي في المفارقة بين انتفاضة الربيع العربي الأولى وبين انتفاضة الربيع العربي الثانية إن جاز التعبير. فبينما كنتُ من غرفة العمليات ومن سريري في المستشفى أتابع رغم المي المبرح بشغف وتحفز مع الملايين العربية وغير العربية ثورة الشعب المصري على أرض ميدان التحرير في يناير 2011 وقبلها ثورة الياسمين في تونس، وبينما كان الربيع العربي الأول الشغل الشاغل للسياسة العربية والإقليمية والدولية، لم تشكل عودة الربيع العربي من جديد سواء في الجزائر أو في السودان إلا ردات فعل أغلبها متحفظة باردة إن لم تكن لا مبالية ليس على المستوى العربي والإقليمي والدولي الرسمي وحسب، بل حتى على المستوى الشعبي ومستوى الشارع العربي والعالمي.
الإجابة المعلوماتية المعتادة التي لن يعوزها التحلي ببعض الإحصائيات والأرقام المنتشرة في المراصد العلمية ومراكز المعلومات ومصانع الأخبار هي أن السبب يرجع لواقع أن الربيع العربي الأول لم يجر على مصر إلا سرقة تنظيم الإخوان المسلمين للثورة قبل أن يتم إقصاؤهم بعد عام من تسلّمهم للسلطة، ولم يجر على سوريا إلا عودة نيرودا القديم للجلوس على تل من جماجم الشعب السوري بعد أن أحرق كامل التراب السوري بأطفاله ومدارسه وشبابه أحياء أمام الكاميرات لقرابة عقد من الزمان، كما جنى على ليبيا واليمن جناية موسيليني وسقوط سد مأرب وخراب مالطا.
غير أن تلك الإجابة وإن تطابقت مع المعلومة الشائعة ومع صور الواقع الموجع المنتشرة عبر الشاشات إلا أنها يجب ألا تشغل المهتم عن البحث عن إجابات تتجاوز المعلومة المرئية رؤيا العين من القاصي والداني للتوصل عبر تحليل المعلومة إلى إجابات أخرى إجابات نقدية وإجابات إبداعية وإجابات لا تستبعد منها نعمة الأسئلة ولا تعطل فيها نعمة الخيال.
****
الكنداكة هي بنات حالمة تتلفع بثوب أبيض لم تسمع كالشعب الجزائري والسوداني على ما يبدو بإجابة المعلومات في هجاء وكره وشيطنة ومعاداة الربيع العربي ولم تتعظ من حرائق الجيران، وليس لنا أن نتابعها بغير حياد حاد وليس لها إلا أن تتحمل تبعات مجازفة جديدة ومنزلقاتها الخطرة.
***********
الفوضى
لا يتورع المخرج الصهيوني الذي أريد أن أجعله كسفاح نيوزيلاند بلا اسم عن القول إنه عمل على مسلسله بروح صهيونية محضة ليقدم الاحتلال الإسرائيلي بسمة إنسانية فيعمل على أنسنة صورة الجلاد ومساواتها بصورة الضحية المهيضة ولكن المؤلم أن يتورط في العمل ممثلون فلسطينيون أو من أصول عربية ويتحدثون فيه اللغة العربية بما ينطبق عليه قول:
«من يهن يسهل الهوان عليه
ما لجرح بميت إيلام
بينما تعيش فلسطين كقضية في ضمائر حرة مثلما رفضت الممثلة الفلسطينية سلوى نقار عرض العمل فيه.