عبدالعزيز السماري
لا يختلف المشهد اليوم كثيراً عن الأمس، فطبول الحرب ارتفعت أصواتها من جديد، وتعود كما عادت من قبل على المنطقة العربية، والحروب العالمية أصبح ميدانها الأوحد في الجوار القريب، وقد عانت شعوب المنطقة الأمرين من ويلات الحرب، ولو حاولنا فهم أسباب عودة الحرب إلى المنطقة لربما ساهمنا في منع حدوثها مستقبلاً،..
في الوقت الحاضر تتواجد القوى العظمى بعتادها وجيوشها في المنطقة،.. لا يمكن أن يحدث هذا بدون أسباب وعوامل جيوسياسية في الواقع، فالعنترية السياسية جزء من سلوك السياسة في بعض الدول، ولم تتوقف المنطقة من إنتاج عينات عنترية من بعض القادة، التي تبحث عن المواجهة مع الغرب بأي ثمن، ولو كان ثمنه تدمير بلاده، وما تفعله إيران منذ تولي الملالي الحكم هو تصدير المشاكل والأزمات لجيرانها، وتخطيطها الدائب للحصول على قوة تدميرية هائلة.
لا يختلف المشهد كثيراً عما حل بالعراق، الذي أدخله زعيمه السابق في حروب لا تتوقف، كان آخرها خروجه الذليل بعد أن تم تدمير بلاده بالكامل، ثم جاءت التراجيديا السورية بكل ما تحمل من أبعاد الألم والموت والتهجير، وشارك في وصولها إلى هذا المستوى مختلف القوى العالمية، وساهمت غطرسة قيادتها في احتلال البلاد من قبل روسيا.
هم لا يأتون من أجل كحل العيون العربي، ولكن من أجل تدمير المنطقة، ونهب ثرواتها، ونشر الخراب في أرجائها، لكن مع ذلك علينا أن نواجه الحقيقة المؤلمة، هم يأتون إلى المنطقة لأن بعض زعمائها متهورون، ويرغبون في السيطرة والهيمنة على الجيران، وما تفعله إيران في الوقت الحاضر لا يختلف كثيراً عما فعلته مصر في الحقبة الناصرية، والعراق في زمن صدام. وكلاهما انتهى بكارثة خلفت الهلاك والخراب لبلادهما.
لا يزال العقل الشرقي يعيش في وهم الماضي، وأن لهم الصدر دون العالمين أو القبر، وهي مقولة جاءت من زمن كانت تحكمه السيوف والخناجر، ولا تصلح للتداول في هذا الزمان، والعمل في وقتنا الحاضر يختلف عن الماضي، فبناء الأمم والأوطان يحتاج إلى أشياء من الصبر والدهاء والعمل، والظاهرة الصوتية انتهى زمنها، والشوفوينية الوطنية لم تعد صالحة لحفظ الأمن الوطني، ولكن قد تحدث المعجزة من خلال قفزات التعليم والاقتصاد وحكمة العقلانية السياسية.
النزعة الاستعمارية للقوى العظمى لم تنته، وما زالت قائمة، وما يحدث في سوريا مؤشر لعودة الاستعمار إلى المنطقة، وإذا لم نتوقف عن العنتريات السياسية، سيكون لهذه القوى قدوم آخر لاحتلال بلد آخر، ولا أستبعد ذلك، وربما ساهم الصمت العربي في تسليم سوريا العربية إلى المحتل الروسي، وقد تبدأ مرحلة جديدة من الاستعمار في المنطقة.
ما تفلعه إيران في المنطقة خطير جداً، والتوسع الإيراني وإثارة الشغب في الدول العربية المجاورة، ومحاولة حصولها على القوة النووية يزيد من احتمالات الانفجار في المنطقة، وقد تقوم الحرب، ولو قامت سيخسر الجميع في المنطقة، ولهذا لا بد أن تعود إيران إلى رشدها، وأن تتوقف عن إثارة المتاعب وتهديد الأمن ومصادر الطاقة في العالم، وأن تتعلم الدرس من التجارب المريرة السابقة.