د.فهد نايف الطريسي
الحرب النفسية هي عمليات مدروسة وممنهجة تهدف إلى التأثير على مجتمع معين، لدولة عدوة أو حليفة أو محايدة. هذا تعريف مبسط جداً عن الحرب النفسية؛ لكن الأهم من هذا هو أن الحرب النفسية هي حرب تعتمد على استغلال الجماهير ولذلك فهي حرب تتسم بالخفاء والخبث. وتعتمد الحرب النفسية على البروباجندا أو الدعاية، ومن أهم أساليب الدعاية تأتي الشائعة في المقام الأول. لن نخوض في الاختلافات العديدة حول تعريف الشائعة ولكننا سنكتفي بأن الشائعة هي عبارة عن عملية نشر معلومات أو مفاهيم أو أخبار غير مؤسسة بغرض تحقيق عدة أهداف منها: - تسميم المناخ السياسي في الدولة. وهذا هدف عام بحيث يشكل كافة الأهداف الفرعية الأولى. - نشر الإحباط. - توتير العلاقة بين الحكومة والشعب. - نشر الفزع.
وقد يكون موضوع الشائعة سياسياً أو اقتصادياً أو صحياً أو مناخياً... إلخ. وقد يجمع عدة مواضيع أو يقتصر على موضوع واحد. فالشائعة التي تتحدث عن إدخال منتجات زراعية أو حيوانية محقونة بوباء ليست فقط تستهدف ضرب الثروة الحيوانية والزراعية، بل تهدف فوق هذا لضرب الاقتصاد الوطني والعلاقات التجارية البينية للدولة وإثارة الفزع ومحاصرة الدولة وإغلاق حدودها، وكل ذلك تهيئة لإضعافها سياسياً وأمنيا. ومع ذلك فإذا كانت الشائعة وسيلة هامة للعدو، فإن الشائعة المضادة هي بدورها وسيلة للدفاع ضد هجمات العدو. وهكذا تتبادل الدول بأجهزة عملياتها النفسية إطلاق الشائعات لتحقيق أهداف محددة يمكن إجمالها في توجيه الجماهير نحو سلوك معين أو تحييد هذه الجماهير بل أو حتى لإثارة غضبهم وحنقهم. يمكن استخدام الشائعة العنصرية لتمزيق النسيج الاجتماعي للدولة عبر ضرب مكونات المجتمع المختلفة بعضها ببعض. وهذا بدوره يؤدي إلى إحداث اضطرابات أمنية شديدة تفضي إلى إشغال الحكومة بمحاولة معالجتها بدلاً عن التركيز على خطط التنمية المستدامة والتطور والتقدم المأمول. لقد واجهت المملكة حرب الشائعات سواء عبر المؤسسات الحكومية أو المواطنين أنفسهم، مما خلق درعا ضد دسائس الأعداء. مع ذلك نرى ضرورة إنشاء مؤسسات خبرة للعمل الدفاعي ومواجهة الحرب النفسية عموماً والشائعة على وجه الخصوص. فنحن اليوم أمام عالم مفتوح (العالم الرقمي)، وهذا ما يحتم إعادة صياغة الخطط تجاه الأمن القومي.. بحيث تواكب الواقع الراهن. وذلك من حيث سد الفراغ التشريعية، والأهم تأسيس بنية تحتية قوية ذات بعدين حكومي وشعبي، فلم تعد هناك حرب عسكرية بقدر ما أصبحت هناك حرب إعلامية نفسية. وازدادت وسائل الإعلام قوة ونفوذاً. وهذا يتطلب بنياناً معرفياً جديداً للقدرة على السيطرة عليه.