د. إبراهيم بن عبدالله المطرف
وفقاً لمنظمة التعاون الإسلامي فإن الحملة ضد الإسلام في الغرب تسير بوتيرة متزايدة، وأنها تتسرب إلى مؤسسات المجتمع المدنية والرسمية والأحزاب السياسية، ما أدى إلى مرحلة أزمة ثقة بالغة من العلاقات بين الإسلام والغرب، ما يجعل مهمة تصحيح صورة الإسلام أمرا ملحا، يتطلب توضيح الصورة الحقيقية للإسلام، وتغيير الرؤية الخطأ عنها، والتأكيد على مراعاة خصوصية الأديان، واحترام مبادئها وقيمها.
وفي هذا الصدد، يرى البعض أن نظرة الغرب الخاطئة عن الإسلام ليست أمرا جديدا، وأنها تمثل جذور وعوامل متأصلة، تغذي هذه النظرة وتحركها. ويرى آخرون أن العوامل والجذور قد تفاقمت بصورة خطرة جدا بعد أحداث سبتمبر، وأدت إلى حملة شرسة، عرضت صورة الإسلام إلى التشويه ولذلك، فإن الحاجة للتأسيس لعمل مدني إسلامي غربي يعنى بتصحيح صورة الإسلام، كانت ولا تزال قائمة. فنحن في حاجة إلى تضييق الهوة فيما بين الإسلام والغرب، وإلى بناء الثقة وتحقيق التعايش.
وقد جاءت الدعوات للعمل على تصحيح صورة الإسلام من كل حدب وصوب، من القمم الإسلامية، ورابطة العالم الإسلامي، ومنظمة التعاون الإسلامي، وجامعة الدول العربية والمنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم. كما جاءت الدعوات خلال المؤتمرات التي عقدتها الهيئات والمنظمات الإسلامية.
فهناك دعوة منظمة التعاون الإسلامي المجتمع الدولي العمل معه على إبراز مخاطر الإسلاموفوبيا. وهناك البيان الصادر عن قادة العالم الإسلامي في لقائهم حول تنامي التعصب والتمييز ضد المسلمين، والذي أعربوا فيه عن عزمهم تعزيز الحوار لمكافحة الإسلاموفوبيا. وهناك قرار وزراء إعلام العالم الإسلامي الذي دعا إلى وضع خطة تهدف إلى تصحيح صورة الإسلام في الغرب. وهناك توصية وزراء خارجية دول العالم الإسلامي التي دعت المجتمع الدولي لمنع التمييز ضد المسلمين، وزيادة الوعي العام بالآثار الخطيرة لتصاعد ظاهرة الإسلاموفوبيا. وهناك دعوة المشاركين في اجتماع لرابطة العالم الإسلامي الذين دعوا لإنشاء هيئة إعلامية إسلامية، تعمل على تصحيح صورة الإسلام.
وهناك تبني جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي خطة عمل مشتركة لتصحيح صورة الإسلام في الغرب. وهناك البيان الختامي لمؤتمر الإرهاب بين تطرف الفكر وفكر التطرف الذي عقد في الجامعة الإسلامية ودعا إلى العمل على تصحيح صورة الإسلام في الغرب، إضافة إلى دعوة مشروع الكتب العالمية عن الإسلام الذي دعا إلى «مزيد من التعاون بين مؤسسات المجتمع المدني في العالم الإسلامي ونظيراتها في الغرب» وإلى تفعيل الحوار بين الإسلام والغرب.
إضافة إلى ذلك، هناك النقاشات التي دارت في أروقة هيئة الأمم المتحدة خلال السنوات العشر المنصرمة، والتي أجمعت على أهمية التنوع الثقافي وتفعيل الحوار بين مكونات المجتمع الدولي، مركزة على الأدوار المتعددة التي يتوجب أنه تقوم بها «القطاعات المجتمعية» المختلفة في دعم الحوار بين الإسلام والغرب، ليكون الحوار أكثر فاعلية.
وتمشياً مع ما جاء أعلاه من دعوات واهتمام بتصحيح صورة الإسلام، جاءت مبادرة «الجمعية الدولية لتصحيح صورة الإسلام» أملاً في التأسيس لعمل مشترك، بين حكومات الدول الإسلامية والهيئات والمنظمات التابعة لها من جهة، ومؤسسات المجتمع المدني في العالم الإسلامي والغربي من جهة أخرى، هدف تصحيح صورة الإسلام في الغرب، وتعزيز العلاقات به في آن.
تشمل أهداف المبادرة ولا تقتصر على، دعم القطاع المدني الإسلامي للجهود الرسمية في تصحيح صورة الإسلام، من خلال إبراز المفاهيم الصحيحة للعقيدة والشريعة الإسلامية السمحاء، والتعريف بالعطاء الحضاري والعلمي للإسلام والتقدم الإنساني الذي نتج عنه، وصياغة خطاب إسلامي مدني معتدل موجه للغرب، واستراتيجيات وبرامج لتصحيح المفهوم الغربي عن الإسلام، وتعزيز مستوى الحوار وزيادة الوعي الثقافي والمعرفي في الغرب، من خلال التركيز على شرائح المجتمع المدني المختلفة، من صانعي السياسات العامة، وتنفيذيي مؤسسات العمل التطوعي والإنساني، والجمعيات المحلية والوطنية، والنسائية والدينية، والنقابات المهنية، والعلماء ورجال الدين والفكر والأدب، وأصحاب المال والأعمال والإعلام والصحافة والمحاماة، والأكاديميين والفنيين المسرحيين والرياضيين وغيرهم.
وتحظى المبادرة بالعديد من الايجابيات، لعل أولها أنها تتماشى مع توجهات وسياسات دول وهيئات ومنظمات العالم الإسلامي، وسعيها لتحقيق التواصل وبناء علاقة ثقة ورؤية جديدة بعيدا عن التصادم، وإبراز المفاهيم الصحيحة للعقيدة والشريعة الإسلامية السمحاء، وتوضيح الصورة الحقيقة للإسلام وتغيير الرؤية الخطأ عنه، وتضييق الهوة فيما بين الإسلام والغرب لتحقيق التعايش السلمي بينهما، والتأسيس لمنبر إعلامي يتواصل «المجتمع الإسلامي المدني» من خلاله مع «الرأي العام الغربي» لإيجاد أرضية مشتركة من التعاون بين المجتمعين، لمكافحة التعصب الديني والثقافي، وإبراز مخاطر الإسلاموفوبيا على الإسلام والغرب، وتشجيع المجتمع المدني على إبرازها، ودعم المجتمع المدني في العالم الإسلامي للجهود الرسمية في تصحيح صورة الإسلام، والإفادة من خبرات وتخصصات الكفاءات الإسلامية المهاجرة في دعم المبادرة وإنجاحها، والإشراف على المبادرة من قبل مجلس أمناء مكون من شخصيات إسلامية وغربية مرموقة، والتأسيس لوقف يعزز الروابط، ويؤصل الحوار، ويوطد التعاون بين الإسلام والغرب.
ويرى الكاتب أننا في العالم الإسلامي بحاجة إلى أن نرتقي بجهودنا المدنية في تصحيح صورة الإسلام في الغرب، وأننا في حاجة ملحة لتوحيد جهودنا الرسمية والمدنية خدمة لذلك التوجه، إضافة إلى حاجتنا لأرضية مشتركة من التعاون التواصل مستغلين الرصيد المتراكم من علاقات الدول الإسلامية مع الغرب لتحقيق ذلك الهدف.
ويرى الكاتب أيضا أننا في العالم الإسلامي نحتاج إلى أن نسد الفجوة الناتجة عن غياب المشاركة المدنية الإسلامية في تصحيح صورة الإسلام، وان نؤكد على دور المجتمع المدني في تعزيز العلاقات، وعلى دوره كعامل حماية لهذه العلاقات أيضا، وأن نوصل الحوار إلى عمق المجتمع المدني في الجانبين الإسلامي والغربي، وأن نمد يد التعاون لأصدقائنا في الغرب، الذين يتوقون لدعمنا في تعزيز العلاقات ببلدانهم، وأن نبين لهم حقيقة أن هناك رأياً إسلامياًَ عاماً، يحبذ الحوار والتواصل وتقوية العلاقات بالغرب، الغرب الذي يمثل أهم وأقوى أنظمة مؤثرة، سياسياً واقتصادياً وتقنياً وعسكرياً.
ويرى الكاتب أهمية قصوى للدفع بالاهتمام بموضوع تصحيح صورة الإسلام بين شرائح المجتمع المسلم نفسه، وأن نستفيد من الجاليات الإسلامية والمبتعثين الذين يمكن أن يلعبوا دوراً إيجابياً في تحقيق أهداف المبادرة، ناهيك عن تشجيع القطاع الخاص على دعم ومساندة جهود تصحيح صورة الإسلام. إضافة لذلك، فإنه لابد من العمل على إيجاد دور مستقبلي للنخب الفكرية في الجانبين، دعماً لرسالة المبادرة وأهدافها، وتوسيعاً لدوائر الاتفاق، وتقليصاً لدوائر الاختلاف، لنعزز التلاقي ونصحح صورة الإسلام.
والحقيقة والحق يقال، فقد ثبت أن تجاربنا الرسمية السابقة في تصحيح صورة الإسلام لم تكن مرضية فقد كانت تركز على الوسائل الرسمية فقط، بعيداً عن مشاركة شرائح ومكونات القطاعات المدنية الإسلامية المختلفة في تلك الجهود، في وقت أثبتت فيه الدراسات العلمية، جدوى العمل التكاملي بين الجهود الرسمية والمدنية، وأثبتت الدراسات أيضاً، أن تفعيل الحوار بين الإسلام والغرب قد تأخر كثيراً، نتيجة لضعف الجهود الرسمية من جهة، ولضعف أداء المؤسسات الإسلامية شبه الرسمية من جهة أخرى.
ونختم بالقول إن العمل على تصحيح صورة الإسلام، يتطلب أولاً، التعرف على نقاط القوة والضعف «swot» في العلاقات، بهدف رسم استراتيجية العمل المستقبلية، بما فيها البرامج الحوارية بين مكونات وشرائح المجتمعين الإسلامي والغربي، ينتج عنها حوار يمكننا من التواصل الفاعل، الذي يخدم مصالحنا الإسلامية الغربية المشتركة. وهذا ما ينوي المعنيون بـ»الجمعية الدولية لتصحيح صورة الإسلام» العمل على تحقيقه، متى ما توافر لهم الدعم الرسمي والأهلي اللازم لإنجاح المبادرة.
وللحديث عن الجمعية بقية.