د. خيرية السقاف
هذه القلوب مئات ألوفٍ تتحرك بها الأقدام، تطوف بالبيت العتيق..
الكتف حذو الكتف، الأقدام تتماس، الجوانح تخفق، العروق تنبض، الحاجات تختلف، الدموع تتهاطل، الصفوف تأتلف..
والمهابة في اللحمة، والقوة في العضد، والرسالة لكل الدنيا..
ما الذي جيء بهم أشتاتًا، وركبانًا من كل صوب؟!..
تهفو أفئدتهم لواد قد زرعه الله، جمع فيه خيرات الدنيا، رزقه من كل فاكهة، لحم ماشية، وطير..
فيه أجرى عينًا لا تنضب رواءً للعطش، سقيا للروح؟!
تسري إليه الأرواح قبل الأبدان..
تغسله غيمات السماء المنهمرة من مزون الرحمة رسائل الله الخفية بينه تعالى، وهذه القلوب التي احتشدت متوطنة نبضها الروحي المتصل بالسماء؟!
صحن الطواف، ولا منفذ فيه لنملة بين المتلاحمين ركوعًا، وسجودًا، الرافعين أكفهم للسماء، المرسلين أسرارهم إليها، المفوضين أمورهم لمن رفعها بلا عمد، وبسط لهم هذا الثرى بلا سند، الرب الرحيم، وقد ختم رسالات سمائه في هذه البقعة الطاهرة بقوله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}،
الذي جعل هذا المكان طاهرًا، ووهبه الحرمة، والقداسة، واصطفاه لبيته العتيق، وأعلن فيه وحدانيته، وقد استجابوا من كل صوب إليه،
جاؤوا إليه واثقين مطمئنين ليجدوا المكان رحبًا، والضيافة سخاء، والأمن سلامًا، والسواعد تحتويهم برحمة الإيمان، وشهامة العرب الطيبين، وثقة الزمام المكين..
صحن الطواف، وهمهمات الأصوات بكل اللغات، ومختلف الهيئات، وتناقض الألوان، وكل الأعمار في مهابة السجود، وطواعية الركوع، قوة لا يقواها المتنازعون عنهم، الطامعون في قوتهم، المشككون في قدرتهم، فمن يكون الله معه لن يُخذل ما تكالبوا عليه، لن يتفرق مهما اندسوا في سجفه، لن يضعف مهما تعددت حِرابهم، لن تهوى طيره وإن صوِّبت إليه سهامهم، ولن تتخطفه نوايا الطامعين مهما سطت وسائلها..
صحن الطواف في رمضان رسالة لكل العالم..
وأية رسالة؟!
فمن يكون إلى الله لن يتخلى عنه الله أبدًا..
تلك القوة لا يدرك تفاصيل حقيقتها الذين لا يفقهون!!..