د. أحمد الفراج
لا أحد يريد الحرب، تقولها أمريكا، على لسان الرئيس ترمب، وقالتها دول الخليج، وعلى رأسها المملكة، ولكن كيف تتحاور مع نظام فاشي ومؤدلج، يعتبر أن الحوار يعادل تجرّع السم، مثل نظام الملالي في طهران، الذي ينص دستوره على تصدير الثورة، أي على التوسع قدر الإمكان، فالحوار ليس من ضمن خيارات العمائم، التي ترى أن التنازل عن السياسات العدوانية التوسعية خيانة للثورة، ولا تغرنكم حكايات المتشددين والإصلاحيين، فإيران لا يرأسها إلا من يوافق المرشد الأعلى على ترشحه، ولا يمكن لأي رئيس أن يصدر قرارًا، مهما كان صغيرًا، إلا بموافقة المرشد، وبالتالي فالحديث عن متشدد وإصلاحي في إيران الملالي هو مضيعة للوقت، ولم تكن هذه القناعة وليدة اليوم، فقد كتبتها في زمن الرئيس محمد خاتمي، وكررتها بعد انتخاب الرئيس الحالي حسن روحاني.
لم يصدق ملالي طهران ما كان يحدث زمن باراك أوباما، فلم يجرؤ أي رئيس جمهوري أو ديمقراطي، على تجاوز حقيقة أن هذا النظام عدو للعالم أجمع، وليس فقط لأمريكا، حتى فاز أوباما، وانتهج سياسة كارثية متوازية، أي رفع الراية البيضاء والسلام تجاه إيران، وابتعد عن حلفاء أمريكا التاريخيين، مثل المملكة، ولم يقصّر الملالي في ابتزازه، فقد تعاملوا معه مثلما يتعامل الطفل مع والده، أي يضغط قدر ما تسمح به الحال، حتى يقال له كفى، وفي حالة أوباما، فقد ضغط الملالي، دون أن يقول لهم أوباما كفى، لأنه وضع في ذهنه أنه سيكون الزعيم، الذي سيدخل التاريخ بإنجاز الاتفاق النووي، ويصنع السلام الدائم في أكثر مناطق العالم التهابًا، ولا شك أن حكام طهران كانوا يدركون نقطة ضعف أوباما، وبالتالي تعاملوا معه على أنه أحد ساسة العالم الثالث، وهو الأمر، الذي استفز المحافظين الأمريكيين كثيرًا.
يقول بعض القراء إن حديثك عن انحناء أوباما لإيران، يتعارض مع حقيقة أن أمريكا دولة مؤسسات، وبالتالي لا يستطيع أوباما تغيير الموقف السياسي تجاه إيران، وأكرر هنا ما سبق أن كتبت مرارًا، وهو أن انحناء أوباما لإيران لا يتعارض أبدًا مع الخط السياسي الأمريكي العام تجاه إيران، وذلك منذ عام 1979، وهو أنها خصم تاريخي. هذا، ولكن لكل رئيس، أو بالأصح، لكل إدارة رؤيتها فيما يتعلّق بالسياسات تجاه أي ملف، فمثلما أن إدارتي بوش الأب والابن، ولاحقاً إدارة ترمب اعتمدت السياسات الخشنة تجاه إيران، فإن أوباما اعتمد السياسة الناعمة، وهذا متوقّع من رئيس ديمقراطي يساري، علاوة على أن أوباما رئيس مثقف، والسياسي المثقف يعتمد على النظريات، ويتجاهل الواقع المعيش، وبالتالي فقد اعتقد أوباما أنه يستطيع احتواء إيران، من خلال الاتفاق النووي، وهو الاتفاق الذي وُلِد خديجا، ثم مات على يد ترمب، وعادت علاقة أمريكا وإيران إلى حالات التوتر السابقة.