أ.د.عثمان بن صالح العامر
تنعقد في رحاب مكة المكرمة وبجوار الكعبة المشرفة الخميس القادم 25 من شهر رمضان المبارك 1440هـ قمة خليجية وأخرى عربية طارئتين بدعوة من لدن مقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز جراء ما جد على الساحة الإقليمية من أحداث جسام رأى معها سلمان العزم والحزم وجوب الاجتماع للتشاور والتباحث حيال أمن المنطقة وضمان استقرارها، يعقبهما يوم الجمعة 26-9 قمة إسلامية مزمع انعقادها هي كذلك في مكة المكرمة حيث شرف المكان وشرف الزمان وشرف الدعوة وشرف الغاية والهدف، وهنا كان لزاماً من التذكير بحق ولي الأمر بالدعاء له، فاللهم كلل جهود قادة بلادنا المملكة العربية السعودية - خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز - وزعماء بيتنا الخليجي، وعالمنا العربي، وأمتنا الإسلامية حفظهم الله ورعاهم ونصرهم وحماهم بالتوفيق والنجاح.
ومن باب تأصيل هذه المسألة العقدية الهامة التي تعتبر من أصول أهل السنة والجماعة أسوق هنا بعض ما أثر عن سلف هذه الأمة في هذا الباب:
روي عن الفضيل بن عياض رحمه الله قوله: (لو أن لي دعوة مستجابة ما جعلتها إلا في السلطان. قيل له: يا أبا علي فسر لنا هذا، قال: إذا جعلتها في نفسي لم تعدني، وإذا جعلتها في السلطان صلح، فصلح بصلاحه العباد والبلاد)، وقال الإمام أحمد: (وإني لأرى طاعة أمير المؤمنين في السر والعلانية، وفي عسري ويسري ومنشطي ومكرهي، وأثرة علي، وإني لأدعو الله له بالتسديد والتوفيق، في الليل والنهار)، وقال أبو عمر بن الصلاح رحمه الله: (والنصيحة لأئمة المسلمين: معاونتهم على الحق، وطاعتهم فيه، وتذكيرهم به، وتنبيههم في رفق ولطف، ومجانبة الوثوب عليهم، والدعاء لهم بالتوفيق وحث الأغيار على ذلك) وقال النووي عن حكم الدُّعاء لولاة أمور المسلمين في خطبة الجمعة: (فأما الدعاء لأئمة المسلمين وولاة أمورهم بالصلاح والإعانة على الحق والقيام بالعدل ونحو ذلك ولجيوش الإسلام فمستحب بالاتفاق والمختار أنه لا بأس بالدعاء للسلطان بعينه إذا لم يكن مجازفة في وصفه ونحوها)، وقد حكى عن السلف ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقال: (ولهذا كان السلف كالفضيل بن عياض، وأحمد بن حنبل، وسهل بن عبد الله التستري، وغيرهم، يُعظِّمون قدرَ نعمة الله به - أي بالسلطان - ويرون الدُّعاءَ له ومناصحته من أعظم ما يتقرَّبون به إلى الله تعالى، مع عدم الطمَع في ماله ورئاسته، ولا لخشية منه، ولا لمعاونته على الإثم والعدوان).
ومن علماء هذا العصر الربانيين الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله الذي قال: (ومن النصيحة لله ولعباده: الدُّعاء لولاة أُمور المسلمين وحُكَّامهم بالتوفيق والهداية والصلاح في النيَّة والعمل، وأن يمنحهم الله البطانة الصالحة، التي تُعينهم على الخير، وتُذكِّرهم به وهذا حقٌّ على كُلِّ مسلمٍ في كُلِّ مكانٍ، في هذه البلاد وفي غيرها، الدَّعوة لولاة الأمر بالتوفيق والهداية، وحُسن الاستقامة، وصلاح البطانة، وأن يُعينهم الله على كلِّ خيرٍ، وأن يُسدِّد خُطاهم ويمنحهم التوفيق لما فيه صلاح العباد والبلاد، فكلُ مسلم يدعو لولاة أمور المسلمين بأن يُصلحهم الله وأن يَرُدَّهم للصواب، وأن يهديهم لِما يُرضيه سبحانه).
وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: (لا يجوز الدُّعاء عليهم: لأن هذا خروجٌ معنوي، مثل الخروج عليهم بالسلاح، وكونه دعا عليهم لأنه لا يرى ولا يتهم، فالواجب الدعاء لهم بالهدى والصلاح، لا الدعاء عليهم، فهذا أصل من أصول أهل السنة والجماعة، فإذا رأيتَ أحداً يدعو على ولاة الأمور فاعلم أنه ضال في عقيدته، وليس على منهج السلف، وبعض الناس قد يتخذ هذا من باب الغيرة والغضب لله عز وجل، لكنها غيرة وغضب في غير محلهما، لأنهم إذا زالوا حصلت المفاسد.. والإمام أحمد صَبَرَ في المحنة، ولم يثبت عنه أنه دعا عليهم أو تكلَّم فيهم، بل صبر، وكانت العاقبة له، هذا مذهب أهل السنة والجماعة، فالذين يدعون على ولاة أمور المسلمين ليسوا على مذهب أهل السنة والجماعة، وكذلك الذين لا يدعون لهم، وهذا علامة أن عندهم انحرافاً عن عقيدة أهل السنة والجماعة، وبعضهم يُنكر على الذين يدعون في خطبة الجمعة لولاة الأمور، ويقولون: هذه مداهنة، هذا نفاق، هذا تزلف، سبحان الله! هذا مذهب أهل السنة والجماعة، بل من السنة الدعاء لولاة الأمور؛ لأنهم إذا صلحوا صلح الناس، فأنت تدعو لهم بالصلاح والهداية والخير، وإن كان عندهم شرّ، فهم ما داموا على الإسلام فعندهم خير، فهذا مذهب أهل السنة والجماعة، أما مذهب أهل الضلال وأهل الجهل، فيرون هذا من المداهنة والتزلُف، ولا يدعون لهم، بل يدعون عليهم. والغيرة ليست في الدعاء عليهم، فإن كنت تريد الخير فادعُ لهم بالصلاح والخير، فالله قادرٌ على هدايتهم وردهم إلى الحق، فأنت هل يئست من هدايتهم؟ هذا قنوط من رحمة الله، وأيضاً الدعاء لهم من النصيحة.. فهذا أصل عظيم يجب التنبه له، وبخاصة في هذه الأزمنة).
حفظ الله قادتنا وزعماءنا، وحمى بلادنا وديار المسلمين، ونصر جندنا، وأذل أعداءنا، وأدام عزّنا، ورزقنا شكر نِعَمه، وأبقى لحمتنا ووحدتنا والتفافنا حول أمرائنا وعلمائنا، ووقانا جميعاً شر من به شر، وحقق للقمم الثلاث التوفيق والنجاح، وإلى لقاء والسلام..