عبده الأسمري
لست مفسرًا ولا عالم دين ولا إمام جامع ولا حافظًا ولا خطيبًا.. ولكني تلميذ في رحاب القرآن الكريم، عاشقٌ للذكر الحكيم.. رفيقٌ للفرقان العظيم.. استمددت منه «حصافة الفصاحة» و«اعتبار العبارة» و«عبرة السورة» و«تقاسيم القسم» و«رونق المفردة» و«تأنق الحرف».
ولأنه القرآن.. سأظل عاجزًا عن الكتابة عن هذا «السمو القولي» منذهلاً أمام هذا «الصرح البياني» شغوفًا بهذا اليقين الرباني..
كيف لي أن أكتب عن القرآن الكريم وهو الإعجاز بكل تفاصيله حرفًا وسطرًا وآية وسورة..
عندما أردت أن أكتب عن القرآن فكرت «بشوق» وكتبت باشتياق لأرسم الانعتاق من «مهام الدنيا» جميعًا لأبقى وحيدًا في إبداع الحديث وإمتاع التحدث عن هذا الكتاب.
ولأنه القرآن.. فإني في دائرة عجز عن الوصف وفي حلقة تعجيز عن التوصيف.
يحفني «الاعتزاز» ويتملكني «الإنجاز» وأنا أكتب عن نبع «الحكمة» و«منبع» الاحتكام. وموطن «الأحكام»..
من أين أبدأ وكيف أنتهي.. فكل سورة «معجزة» لا تكفيها بحور الأرض مدادًا ولا سطور الورق مددًا.. وسأظل «تلميذًا معجبًا» و«عبدًا مفتخرًا» من كلام أرضخ القلوب واستوطن الأفئدة واستعمر الأجساد واحتل الأنفس وأحيا الضمائر وأبكى الأعين.. واختصر الحياة وأوجز الموت ووصف الآخرة وامتدح الصلاح وذم السوء ووظف المعرفة ولخص الفهم وحل الخلاف وناصر العدل وأسقط الظلم ورفع الحسنى وأمر بالإحسان.
إنه القرآن بيان المعجزات وتبيان المنجزات.. إنه قول الحق وحقيق الذكر.. هو المحفل المعرفي الأول المنفرد بالآيات المتفرد بالمفردات.
هو اليقين المجموع والشفاء المشفوع في تعابير رحمة وتباشير مغفرة
في أفياء القرآن نستظل وتحت ظلاله نتظلل وفي كنفه نأمن وبين عطاياه ننعم ووسط كراماته نسعد فكيف تغشونا «الظروف» وفي بيوتنا وبين أيدينا «دواء سحري» لكل الأوجاع ووسط ملكياتنا «شفاء إعجازي» لكل المتاعب.
علمنا القرآن أن نعم الله لا تعد ولا تحصى.. وهو أولها.. لذا فإن كل من اقتنى مصحفًا وقرأه وتلاه وانغمس في نعيم بيانه وغاص في أعماق استبيانه وتشرب من معين لذته وانتشى من مذاق لغته فهو «ثري» و»غني» لأنه امتلك الخير كله عاجله وآجله..
هكذا علمني «القرآن».. أن أنجذب إلى آياته في خلوتي لأسمو بمفردتي وأعلو بعبارتي وأن أنخطف إلى لحنه السماوي وتنزيله الرباني فأشفع لذاتي بوقع النفع وأمتع خاطري بيقين الفائدة.. فوجدت أنه النبع الذي لا ينضب والمنبع الذي لا ينتهي فكل ما تعلمناه وتعلمه علماء التفسير وجهابذة العلم الشرعي لا يعدو سوى محولات على شاطئ محيط مذهل من اللغة والإعجاز والإنجاز لا يعلم حدودها ولا يفصل أبعادها إلا العزيز الحكيم العلي القدير الذي أنزله بالحق وبالحق نزل.
القرآن «أكاديمية» عظمى للغة و«صرح» يتصل بالسماء أمام بصر القراء والحافظين والمتدبرين.. لذا كان الأصل والأساس والمتن لكل العلوم.. إنه قول الله وحده الموجز والمعجز والمنجز أسلوبًا وصياغة وتوجيهًا وتنبيهًا وتسديدًا وسدادًا..
في القرآن الكريم «عظة واتعاظ» و«قدرة واقتدار» و«ورقي وارتقاء» و«مخاطبة وخطاب» في آيات فصلت من لدن حكيم خبير تعلوها «الحكمة» وتحفها «الرحمة» وتوظفها «المقدرة» الإلهية في مناهج وصفت المقادير وأبانت المصائر وأوضحت النشأة وأضفت القصص وسيرت المعاني وشرحت المغانم ونطقت بالحق واستنطقت بالعقل..
أنه القرآن.. وكفى.. النور والشفيع والتاج والمنهاج.. إنه سراج الظلمات وضوء الخلوات.. وعزة المسلم واعتزاز المؤمن.. ونبراس المتاهات ومقياس الطاعات..
ماذا أقول وكيف لقلمي أن يصف ويوصف هذا الدستور العظيم.. أشعر بالخجل واستشعر الوجل.. ينتابني العجز ويتملكني الضعف للوفاء بقدر «القرآن» والاستيفاء لقيمة «الفرقان»..
قرأته متدبرًا فوجدته «الكنز» الثمين والرصيد «الأثمن» في المحيا وفي المعاش.. واستقرأته معتبرًا فلقيته «الحل» العظيم و«السر» الأعظم بين الطاعة ووسط الحسنى.
لا مساحة للقلم تكفي أيها القرآن لتوازي ذرة من كمالك..
إلا يا مدبر الأمر ورب كل شيء ومليكه.. انفعنا بالقرآن وأشفع به لنا بين يديك واجعله «مصدرًا» لإسعادنا ومددًا «لإنقاذنا» وعتادًا «لأقوالنا» وعدة «لأفعالنا» وأكرمنا به وعلمنا فيه وقربنا إليه. واجعله قائدنا إلى جنات النعيم.