خالد بن حمد المالك
في إحدى زياراتي لإيران خلال فترة ما بعد الشاه، ضمن بعض رؤساء التحرير المرافقين لوزير الداخلية آنذاك الأمير نايف بن عبدالعزيز -رحمه الله- بعد قطيعة بين الدولتين امتدت لسنوات، كان مشهد طهران العاصمة كما رأيته آنذاك يلفه التخلف، وتواضع الإنجازات، وغياب التحديث والتجديد في المباني والميادين والشوارع والأحياء.
* *
وكانت مظاهر التحضر، ومواكبة ومحاكاة ما يحدث في الدول المجاورة لإيران من تطور لم يكن لها وجود البتة في طهران، فلا شيء أضافه النظام الجديد إثر تسلمه السلطة بعد الإمبراطور، فالخدمات بقيت على ما هي عليه، دون أدنى إضافة، أو لمسة تحسينية على ما كان قائمًا في فترة الشاه الذي أُقصي في ثورة شعبية لم يتمكن (السافاك) البوليسي من إخمادها.
* *
ففي سكننا في فندق يفترض أنه اختير كأفضل أو من بين أفضل فنادق العاصمة الإيرانية، كوننا مرافقين للأمير نايف في زيارته الرسمية، يمكنني أن أصنفه مقارنة بالفنادق في مختلف دول العالم - فقيرها وغنيها - على أنه من فئة الثلاثة نجوم إن لم يكن أقل من ذلك، وهو فندق متواضع جدًا، يعود إنشاؤه إلى فترة حكم الشاهنشاه رضا بهلوي، والعمالة فيه كانت خليطًا من الرجال والنساء الإيرانيين، وكانوا يقومون بكل الأعمال الخدماتية المتواضعة، من تنظيف الغرف، والفندق بعمومه، إلى خدمات المطبخ بأعمال تستبعد أن تجدها تمارس من المواطنين في دولة غنية جدًا كإيران.
* *
المشهد، كان يرسم حالة من البؤس، والعوز، والتخلف، مع وجود حاجة إلى العمل، بأي شيء، مهما كان متواضعًا في دخله، أو طبيعته، فالبطون جائعة، وتحتاج إلى الوظيفة، وإلى العمل، وإلى مصدر رزق، دون أي اشتراطات، وفي الشارع يتكرر المشهد أمامي، ويستطيع الزائر أن يتعرف على الحالة هناك من خلال رؤية الناس وهم في وضع بائس.
* *
هكذا كان مشهد طهران قبل أن تكون هناك عقوبات أمريكية، وإجراءات تتجه نحو تصفير الاقتصاد الإيراني، فكيف هي الحالة المعيشية والتنموية الآن في إيران، بل كيف حال إيران، وقد سبق النظام الإيراني نفسه قرارات البيت الأبيض بعملية تصفير مبكرة للاقتصاد والمال الإيراني، من خلال دعم كل المنظمات المشبوهة على حساب قوت الشعب، من حزب الله في لبنان، إلى أنصار الله في اليمن، ومن العلويين في سوريا إلى الحشد الشعبي في العراق، فضلاً عما تنفقه من مال على مؤامراتها في عدد من الدول من خلال وكلائها المحليين فيها.
* *
في اعتقادي أن القبضة الحديدية لنظام الملالي لن يضعفها إلا الاستمرار الأمريكي في فرض حصاره الاقتصادي لطهران، فهذه حرب اقتصادية ستقتصر آثارها السلبية، وتكاليفها المالية على إيران، بمعنى أن آلة الحرب العسكرية إذا لم تستخدم مع وجود هذه القوة الأمريكية الضاربة في الخليج، فإن الحرب من خلال الآلة الاقتصادية سوف تفعل فعلتها ومفعولها، في ظهور ثورة الجياع، واحتجاج الشارع لصالح إسقاط النظام الإيراني البوليسي المتهور.
* *
ومن المؤكد أن كل ما يفعله النظام الإيراني الآن ومنذ زمن في تصرفاته العبثية وتهوره وعناده، إنما يسرّع في تحول التململ الشعبي إلى ثورة عارمة كما فعلوا مع نظام الشاه، لكنهم هذه المرة لن يسمحوا بأن تُسرق ثورتهم، كما سرقها نظام العمائم بقيادة الخميني، بعد أن أدرك الشعب أن ثقته السابقة بهم لم تكن في محلها، وأن طهران منذ إمساك هؤلاء بالسلطة قد تأخرت عقودًا من الزمن، وبأكثر من الأربعين سنة التي حكموا فيها إيران بالحديد والنار، وحولوها إلى دولة بائسة ومنبوذة وشعبها فقير، كما هو حالها الآن.