د. عبدالرحمن الشلاش
الصحوة كما سبق أن أكدت في مقالات سابقة مجرد مرحلة وليست دينا أو حركة تجديدية أو إصلاحية. كونها مرحلة فقد حاولت فرض ثقافتها الأحادية وتنميط المجتمع آنذاك في قالب واحد. لم تكن ثقافة تعددية لكنها تميزت بتعدد مظاهرها. ركزت على الشكليات في جوانب وتعمقت في جوانب أخرى أكثر خطورة وذات تبعات مستقبلية طويلة الأجل. المظاهر الصحوية قد لا تستمر كثيرا كون المظاهر أسهل في عملية التغيير مثل الملابس والعادات والطقوس لكن المسائل الفكرية صعبة التغيير وخاصة عندما تصل إلى حد القناعات غير القابلة للنقاش أو الحوار! لذلك زوال المظاهر سريع بعكس الفكر.
أتت مرحلة الصحوة بكثير من المظاهر الشكلية والتي ميزت أتباعها مثل عدم لبس العقال وتقصير الثياب أكثر مما حث عليه الدين، ولبس السراويل الطويلة وهي مظاهر لن تلقى معارضة من العقلاء كون الإنسان حر فيما يرتدي من ملابس أو ما يرتضيه من أسلوب مريح له في حياته رغم أن الصحوة كانت تحاول باستماتة فرض مظاهرها على الآخرين وبالقوة أحيانا وهذه هي نقطة الخلاف فهذه الأمور والتي فيها سعة وخلاف بين العلماء لا تفرض بالقوة المبطن بالتخويف والترهيب.
الجوانب الفكرية كثيرة ومنها الغلظة مع المخالف إلى حد قد يصل إلى الفجور في الخصومة ورمي التهم من البعض ولدى شرائح من الصحويين قد تصل إلى التكفير والشك الذي يصل إلى حد المرض, وتحريم التصوير والتلفزيون, ومهاجمة المعارض الثقافية والمسارح وقد شهدت تلك المرحلة كثيرا من مشاهد التكسير والتحطيم وفرض سياسة الأمر الواقع, وبعض هذه الأحداث قريبة ولا يمكن لأحد إنكارها.
الأمر المهم في هذه المقالة أن مرحلة الصحوة الطويلة والتي استمرت لفترة طويلة من الزمن أسست لثقافة قوية ضاربة بجذورها إلى اليوم وقد تستمر لسنوات ولم يحد من طيشها سوى القوة في التعامل معها. حين دعت الصحوة الشباب إلى الجهاد في بعض البلاد من منطلق نصرة المسلمين أدى هذا الأمر إلى رمي مجموعة غير قليلة من الشباب في قبضة الجماعات الإرهابية مثل القاعدة وداعش وكأنما شرح الجهاد للناس بهذا المعنى القاصر الذي يستبعد الجهاد في التربية ورعاية الأسرة، ومجاهدة النفس، والإخلاص من أجل تطور هذا الوطن ورقيه وتقدمه والمشاركة في التعليم والتنمية كمظاهر حضارية للجهاد كون الإنسان يثاب على هذه الأعمال الجليلة.
هذا الفكر وتلك الثقافة ما تزال متجذرة راسخة وآثار الصحوة لها بقايا نلمسها في كثير من السلوكيات حولنا ومن يرى غير ذلك فهو لا يقرأ الواقع بشكل جيد, هناك من يرى أن الصحوة قد انتهت تماما وهذا غير صحيح فمازالت آثارها باقية إلى اليوم.