عبدالعزيز السماري
يبدو للمتابع أن مجتمعنا السعودي يمر في متغيرات كبرى، فالأشياء لم تعد تظهر بنفس الألوان السابقة، فقد تداخل بعضها مع بعض، وأصبح هناك ألوان جديدة ومتغيرة، كذلك الجدران العازلة بدأت في الترنح والسقوط داخل العقول، وهو ما يعني خروج أجيال ليس لها علاقة بالعقود الماضية..
لا ينكر مشاهد أن ثمة صراع كان قائماً خلال العقود الماضية بين الطرح الديني المتشدد ودعوات الانفتاح، وكان يوماً ما موضع خلاف وجدل بين أنصار الاتجاهين، فمفهوم الشريعة
لكن السنوات الأخيرة أثبتت أن التغيير الإنساني يحدث بتقديم الحلول العملية على الطرح النظري، لذلك نجحت تجارب الترفيه والسياحة في بعض الدول الخليجية، وتحولت من خلال ذلك إلى قوة اقتصادية، وكان القرار سياسياً، وبالتالي أصبحت تحولاتهم مثالاً يحتذى.
في الوقت الحاضر فقد السلفي المتزمت جاذبيته، وأصبح يتكلم بلغة مختلفة، وتكاد تكون غير مفهومة، بل توقف لأول مرة ومنذ عقود عن توجيه السهام في كل صوب، ويبدو أن السلفية المتشددة بدأت في التغيير، والخروج من ذهنية التحريم، بل تكاد أن تتوقف عن إصدار الفتاوي، فالمد التعايشي والتعددي يكاد يجتاح المجتمعات الشرقية.
أدرك جيداً أن الليبرالية غير موجودة في بلاد العرب، لكن المجموعات التي كانت تناهض التشدد والإقصاء تقدم نفسها على أنها ليبرالية، لكن الطرح النظري لا يصنع التيار، ولكن التطورات المستقبلية في المجتمعات قد تخلق تياراً ليبرالياً في المجتمع.
ولكن لا بد من القول إن الليبرالية لا يمكن أن تتفوق على السلفية أو الطائفية، فالدين أو البعد الطائفي يظل المصدر الأقوى للاصطفاف في المجتمع، ويبقى غير ذلك مناورات وردود أفعال على عمليات التجميل التي يجريها بعض الرموز على وجوه الحراك الطائفي الديني من أجل مواكبة التغيير.
حدث بعض التغيير، لكن التغيير الأهم قادم، ولن يكون في تركيبة القواعد المؤسسة للمجتمع، ولكن في الطرح والتفاعل مع المتغيرات، فالسلفية ستخرج بطرح جديد كما نسمعه من بعض رموزهم خلال هذه الأيام، ومعارضيهم كالليبراليين الشرقيين؛ مع التحفظ على المسمى، سينالون بعض التأييد، ولكن بحدود، وما نرجوه أن يكون التغيير لصالح الحراك المدني والعملي، فالمجتمع الذي يعمل وينتج يكون حتماً أكثر استقراراً وتسامحاً وأقل عنفاً..
نأمل أن يكون التغيير المستقبلي الأهم في صالح الفئات العاملة، والذي إن حدث سيكون الأول من نوعه، فقد كانت هذه الفئات مغيبة طوال التاريخ العربي، بل في الطبقات الأدنى في المجتمع، وكان التميز لشيوخ الطوائف والقبائل والفنانين والمثقفين أصحاب الأطروحات النظرية، ولو حدث ذلك سنتقدم خطوة للإمام في تجاه حضارة العمل والاقتصاد بدلاً من إعادة تدوير منتجات الماضي.