طلال أبو غزالة
منذ فترة ليست بالقصيرة وأنا لا أكف عن دق ناقوس الخطر محذرًا من أزمة اقتصادية كبيرة قادمة قد تعصف بالاقتصاد العالمي في عام 2020.
وعلى العكس من بعض التقارير لبعض المحللين والخبراء، فإن لديّ أسبابًا وجيهة تجعلني أعتقد بأن الأزمة الجديدة ستكون أشد فتكًا من سابقتها التي حدثت في عام 2008.
وعلى الأرجح، وعلى نحو شبيه بما حدث في الأزمة السابقة، سوف تبدأ هذه الأزمة في الولايات المتحدة الأمريكية؛ إلا أنه يُتوقع أن تستمر لمدة أطول وسيكون لها أثر جسيم على اقتصادات الدول الغربية، مسببة ركودًا ومؤدية للعديد من حالات الإفلاس.
لقد فقدت الدول في كافة أنحاء العالم، وخاصة في أوروبا، ثقتها في قدرة الولايات المتحدة الأمريكية على القيادة في القضايا المتعلقة بالسياسات الدولية المالية والتجارية والعسكرية. وقد أخذت هذه الدول تتخلى شيئًا فشيئًا عن تحالف دام مداه سبعة عقود مع الولايات المتحدة الأمريكية وبدأت بتبنّي منظومات بديلة للتجارة الثنائية.
علاوة على ذلك، يستمر الدولار الأمريكي في فقدان أهميته، ولعدة سنوات الآن، أمام عملات أخرى. وقد صرح مارك كارني، محافظ بنك إنجلترا، في كانون الثاني - يناير 2019 قائلاً «في نهاية المطاف، سوف يكون لدينا عملات احتياطية أخرى غير الدولار الأمريكي».
وكما كتب أستاذ التاريخ في جامعة ويسكونسن، ألفريد مكوي، أن انهيار الدولار سوف يعني «ازدياد الأسعار، وارتفاع متواصل في معدل البطالة مع انخفاض مستمر في الأجور الحقيقية طوال العام 2020، وسوف تؤدي الانقسامات المحلية إلى اشتباكات عنيفة ومناقشات مسببة لخلافات غالبًا حول قضايا رمزية أخرى لا قيمة لها».
وليس من المفاجئ أن يصرح غوردون براون، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، عند سؤاله عن تكرار أزمة 2008 قائلاً: «إننا نواجه خطر الانزلاق نحو أزمة مستقبلية... يجب أن ننتبه انتباهًا شديدًا للمخاطر المتصاعدة، ولكننا نعيش في عالم بلا قيادة... التعاون الذي رأيناه في 2008 لن يكون ممكنًا في أزمة ما بعد 2018 من حيث عمل البنوك المركزية والحكومات معًا... كل ما سنفعله هو إلقاء اللوم على بعضنا البعض بدلاً من حل المشكلة».
بناءً على ذلك، أتوقع شخصياً أن يجلب عام 2020 معه أزمة اقتصادية وسياسية عالمية لا نظير لها. ذلك لأنه ليست السياسات الاقتصادية غير المنسقة للاقتصادات المتقدمة هي ما تسهم في هذه الأزمة فقط، بل إن القرارات السياسية الخاطئة والسياسات غير الرشيدة ستمهد الطريق لحدوث محنة اقتصادية كبرى.
ومع ذلك، ستكون الاقتصادات الناشئة مثل الصين والهند أكثر قدرة على التكيف مع الأزمة ومن المتوقع أن تزدهر مقارنة مع اقتصادات الولايات المتحدة وأوروبا.
من الممكن أن تتعامل الصين بشكل أفضل مع أي أزمة من هذا النوع نظرًا لأن الدولة تمتلك النظام المصرفي وتسيطر عليه، حيث ستقوم الحكومة بالتفاعل أو اتخاذ إجراءات استباقية من أجل التعامل مع أي تأثير سلبي من خلال مجموعة متنوعة من الوسائل، خاصة وأنها لم تصل بعد إلى تحقيق كامل إمكانات نموها.
كما أتوقع أيضاً أن تعاني خمس دول أوروبية على الأقل من الأزمة في العام المقبل للأسباب المذكورة أعلاه، ولكن سيتم الحفاظ على عملة اليورو الموحدة. ستنمو البرازيل وروسيا والهند والصين وكوريا بمعدل ثابت خلال السنوات العشر المقبلة، وعلاوة على ذلك، أعتقد أنه خلال 10 سنوات، ستصبح بعض الدول الإفريقية أكثر تطوراً كما أن اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي سوف تستمر في النمو بسبب زيادة عائدات النفط بشكل رئيسي.
وأود أن أوجز تسلسل الأحداث حسب توقعاتي:
1 - نحن أمام أزمة اقتصادية عالمية تؤدي لركود تضخمي Stagflation.
2 - سوف تتحول الحروب الثنائية التقنية والتجارية والاقتصادية وحقوق الملكية الفكرية والمالية والعسكرية إلى صراع شامل بين العملاقين.
3 - هذه الأزمة، وما سيتمخض عنها من صراعات ستؤدي لحرب عالمية ثالثة بين الصين والولايات المتحدة.
4 - نتيجة للحرب سيجتمع الطرفان المتحاربان، أمريكا والصين، لبحث وقف تلك الحرب.
5 - ستنتهي الحرب باتفاقية ينتج عنها قيام نظام عالمي جديد.
6- سوف يشهد العالم العربي نهضة قوامها «خطة مارشال» اقتصادية تقود بدورها لانتعاش وازدهار اقتصادي عالمي.
واستنادا لذلك، فإن أفضل نصيحة يمكن أن أقدمها في هذا الشأن هي الاستعداد للركود، حتى إذا لم أكن أتوقع ركودًا. كما أدعو الآخرين إلى تنفيذ ما قد بدأت أنا بتنفيذه بالفعل في «طلال أبوغزاله العالمية» (TAG.Global). إن أفضل سبيل لتجاوز المستقبل القريب غير المؤكد هو التركيز على المرونة من أجل تحمل أوقات الريبة والصدمات، من خلال بناء استراتيجيات نمو محددة ومركزة، واعتماد الكفاءات التقنية والابتكارية وتعزيزها، والتأكيد على دور الاستدامة، واتخاذ إجراءات استباقية فيما يتعلق بالتعاون. وينبغي أن تركز الأعمال التجارية على محفزات النمو طويلة الأجل، وليس اللجوء ببساطة إلى التقشف من خلال خفض التكاليف. نحن بحاجة إلى «المبادرة بالأفعال وليس بردات الفعل».