د. عبدالرحمن الشلاش
ولعل تحريم الكثير جاء من باب سد الذرائع لئلا تقود بعض المباحات إلى محرمات بزعم شيوخ الصحوة في ذلك الزمن، لكن ظهور بعض المشايخ المعتبرين في السعودية وتحليلهم لبعض ما تم تحريمه خلال فترة الصحوة وما أعقبها يعني أن هناك تحولاً في طريقة التفكير الديني من التشدد والأخذ بالأحوط سدًا للذرائع إلى طريقة مرنة وبنظرة شمولية وتحليل دقيق للأدلة الواردة وتطبيقها على واقع الناس؟
بعد أن تبين أن لا أصل أساسًا ولا دليل لما تم تحريمه في فترة كانت الفتاوى تأخذ جانب التشدد استنادًا إلى أدلة ضعيفة أو تنطبق على حالات أخرى وتم الاستدلال بها أو القياس عليها. كان التحريم يشمل التصوير وحتى لعب الورقة. قال أحد المشايخ كنت عندما أسأل عن لعبة البلوت في أزمنة مضت -وهي ما تسمى عند عامة الناس الورقة، وتسمى في بعض الدول «الكوتشينة»- كنت أفتي بعدم جوازها، وعندما زرت الجنود رأيتهم يلعبونها ووجدت أن انشغالهم بلعبها يمنعهم من أمور أشد خطورة مثل الغيبة، وتعليقي على قول أحدهم خلهم ينشغلون بقراءة القرآن أن هؤلاء لا يحسنون القراءة.
في هذا القول وزن للأمور حيث غلب إيجابيات لعب الورقة على سلبيات الفراغ وما يجره من أمور سيئة على الناس فالقضاء على الأوقات الضائعة ببعض الألعاب أجدى بكثير من الانهماك في شؤون الآخرين، أو السب والشتم. حتى مشاهدة المباريات والمنافسات الرياضية كان ينظر لها من باب الكراهية، ولدى بعض من يرى فيها تحريمًا من باب أن اللاعبين يكشفون عن عوراتهم وكأن من سيشاهد المباريات سيتفرغ للتمتع بالفرجة على أفخاذ اللاعبين!
حتى التصوير سواء الفوتوغرافي أو مقاطع الفيديو شهدت تحريمًا مغلظًا لدى بعض المفتين، وإلى يومنا هذا يطل علينا بين وقت آخر من يؤكد على تحريم التصوير رغم ما نشهده من تداعٍ غير مسبوق من مشايخ ودعاة وفقهاء على التصوير وبث ما يصورونه عبر حساباتهم، وفيهم من كان يحرم التصوير جملة وتفصيلاً. وهو ما يطرح السؤال الحائر أمام هذا التناقض أين الخلل؟ أم أن ما حدث كان تماهيًا مع زمن الصحوة المتشدد؟
هل الناس يدفعون ثمن اختلافات بعد أن ضاع الدليل؟ حتى الأناشيد وبعض أنواع الشعر حرمت دون أدلة مقنعة، وقبلها كان التحريم من نصيب بعض الفنون التي تضفي جماليات على الحياة المترعة بالرتابة والفراغ القاتل.