د. حسن بن فهد الهويمل
كان تحقيق التراث هواية واقتدارًا لا يتعاطاه إلا القلة القليلة المتميزة بالجلد، والمعرفة، والنزاهة، ودقة التحري. وكان للاستشراق يد في ذلك. فترة (الإحياء) التي أعقبت (حملة نابليون) لفتت نظر العلماء إلى أكثر من أربعة ملايين مخطوطة منهوبة، تابعها (معهد المخطوطات) التابع لـ(جامعة الدول العربية) صور - فيما أعلم - نصف مليون. كان التحقيق بطيئًا، ولكنه موجود. واشتهر به عدد من علماء مصر، والعراق. في المملكة عرفت مجموعة قليلة يتقدمهم العلامة (حمد الجاسر) ثم تتابعت الأسماء كـ(العثيمين) و(الضبيب) و(المانع) و(عسيلان) وآخرين. وكنا على ثقة بتلك الرموز، لاقتدارهم، وبراعتهم. وبدأ الخوف يدب حين قامت الأقسام النظرية في الجامعات المحلية بتكليف طلاب الدراسات العليا بتحقيق المخطوطات، وقد يشترك أكثر من طالب في تحقيق مخطوطة من أجزاء لكل طالب جزء، مما تتفاوت معه الطريقة، والقدرة. هذه الفوضى غير الخلاقة تستدعي إنشاء جمعية للمحققين تشرف على الوضع، وتساند الجامعات، وتحول دون العبث، وقد يلزم الأمر إنشاء (معهد) للتعليم، والتدريب. قلت :- إن التحقيق: موهبة، ورغبة، واستعداد، وجلد. عندما كنت رئيسًا لنادي القصيم الأدبي كلفني الأمير فيصل بن فهد - رحمه الله - بتصوير مخطوطات في مكتبة (القاضي) - رحمه الله - بمدينة (عنيزة) وصورت مجموعة لا بأس بها، واستخلصت لنفسي أنفسها، وهممت بتحقيق مخطوطة في (علم الحديث) لا تتجاوز عشر صفحات، ولم أستطع إكمالها، وعلمت أن لكل حقل معرفي فرسانه، (إذا لم تستطع شيئًا فدعه وجاوزه إلى ما تستطيع)، للتحقيق فرسانه، وحين نسند المهمة إلى غير أهلها نسيء إلى تراثنا. وحين تقوم (الجمعية) ترود في المقدمة، وتحمي الساقة، وتعيد النظر في تحقيق الطلبة المغامرين، وتنسق مع الأقسام النظرية في جامعاتنا. فهل بادر علماؤنا الأفذاذ لتدارك الأمر؟ هذا ما نوده، وما هو بعزيز على هممهم.