د.عبدالله بن موسى الطاير
قمتان خليجية وعربية طارئتان، على هامش قمة القمم الرابعة عشرة لمنظمة التعاون الإسلامي. الدول الأعضاء في الخليجية، هم أعضاء في العربية، والدول الأعضاء في العربية هم أعضاء في الإسلامية. المملكة سجّلت رقماً قياسياً في تنظيمها ثلاث قمم خلال 24 ساعة.
قد يبدو الجهد معقولاً للبعيدين عن الكواليس، لكن من يعملون عن قرب يدركون أنه عمل خارق لا تقوم به سوى دولة في حجم المملكة العربية السعودية. سبق القمم اجتماعات كبار المسؤولين، واجتماعات وزراء الخارجية، وبلغ عدد الوفود التي شاركت في أعمال القمم الثلاث نحو 6000 شخص من ملوك ورؤساء، ورؤساء وزارات، ووزراء خارجية، وكبار مسؤولين. ولا يحسب على هذا الرقم بقية المدعوين من دول مراقبة ومؤسسات وأجهزة ووسائل إعلامية غطت القمم الثلاث. وما زاد الوضع صعوبة هو خصوصية المكان والزمان اللذين يثقلان كاهل المنظمين أياً كانت كفاءتهم. غير أن اعتياد السعوديين على إدارة الحشود، باعتبار المملكة بيت خبرة عالمي في هذا المجال، قد جعلا المتعذّر ممكناً، بتوجيهات سديدة من قيادة خادم الحرمين الشريفين الراشدة، ومتابعة لحظية من سمو الأمير محمد بن سلمان. من يجلس في كواليس هذه القمم يدرك حجم القوة السعودية التي تمكنت من جمع قيادات ثاني أكبر منظمة حكومية بعد الأمم المتحدة، وإدارة خلافاتها واختلافاتها وتعدد وجهات نظرها، بحكمة جاعلة نصب عينها خدمة مقاصد العمل الإسلامي وغايته التضامن بين دول وشعوب عالمنا الإسلامي الكبير.
الملك سلمان، والشيخ صباح الأحمد، والرئيس عبدالفتاح السيسي والأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي وغيرهم من الذين سمح لهم الوقت بالحديث أكدوا على آفة التنمية المتعثّرة في بلداننا الإسلامية، وهي أس المشكلات المركبة بما في ذلك الإرهاب والفوضى وتفشي خطاب الكراهية. يشخّص الملك سلمان الحال بقوله: «من المؤلم أن يشكل المسلمون النسبة الأعلى بين النازحين واللاجئين على مستوى العالم جراء الاضطرابات والحروب وانحسار فرص العيش الآمن الكريم في بلدانهم». ثم وصف الدواء في عبارات قصيرة وجامعة أكدت سعي المملكة «إلى الإصلاح وتوفيق وجهات النظر المختلفة خدمة للدول الإسلامية وشعوبها. مع الاستمرار في مد يد العون والمساعدة عبر الجهد الإنساني والإغاثي حرصاً على سيادة وأمن واستقرار الدول الإسلامية في ظل وحدة وطنية وسلامة إقليمية».
بدون مجاملة دبلوماسية، معظم الدول الإسلامية أمامها فرصتان، إما أن تغرق في الفوضى والحروب الأهلية والإرهاب، بسبب الفشل التنموي، وتصل إلى مرحلة من القبول بإملاءات الدول الأقوى ليعود الاستعمار كرته مسيطراً على العقول والأفكار وسلخها من كل ركائز الهوية الإسلامية والوطنية وتعليقها بذيول القوى النافذة في الشرق أو الغرب. أو أن تتكاتف هذه الدول في سد كل الذرائع المؤدية إلى الانشقاقات الوطنية، وتفشي الفوضى المدعومة من خارج الحدود، وعزل أي عضو يواصل بدعمه المالي أو الإعلامي أو العسكري تقويض الأمن والاستقرار والنماء في البلدان الأعضاء.
يفسد العالم إذا صُبغ بلون واحد ولو كان اللون الديمقراطي. لا بد من تنوّع التجربة وأن يكون العالم الإسلامي قادراً على الاستقلال في خياراته وتقديم تجربته، فقد يكون فيها الخلاص المنتظر لهذا العالم القلق. نحن خير أمة أخرجت للناس، وهذا وعد رباني، لن يغيّره بحال من الأحوال علو كعب التافهين الذين يقودون الرأي العام الإسلامي إلى التبعية من خلال تسطيح الأفهام وتشويه القدوة، وتهميش المحتوى الأصيل. نستطيع عندما نتخلص من معوقات التنمية، أن نكون نداً للغرب نتكامل معه بخصائصنا لا أن نتبعه حذو القذة بالقذة أو نفاصله، فنتلف الحرث والنسل.
نهضة الأمة الإسلامية لن تتحقق بالتقليد الأعمى، وإنما بالتمايز المبصر الذي يحقق على مستوى القيادة الحكمَ الرشيد بما فيه من عدالة ومساواة وشورى، وعلى مستوى التعايش، والحوار والتكامل وتبادل المنافع لتحقيق سبب استخلاف البشر على هذه الأرض وهو عمارتها، والمحافظة على التنوّع أساساً للتعايش والسلام.