د.فوزية أبو خالد
تحذير:
ليس لهذا العنوان علاقة لا من قريب ولا بعيد بورقة بحثية سبق أن نشرها الباحث العربي المصري سعدالدين إبراهيم في دورية المستقبل العربي الصادرة عن مركز دراسات الوحدة العربية قبل أكثر من عشرين عامًا، على تشابه العناوين؛ فهذا العنوان كبير، وبعيد المنال، وليس له أيضًا علاقة حقيقية بالمقال إلا من باب استدراج القراء لقراءة لوحة سريالية، موضوعها السلام، ولم يرسم عليها إلا ريش متطاير وأهداب متناثرة وأقلام مكسرة الأجنحة.
ابتسموا، خاصة الوزير والمثقف ورئيس التحرير، ووسعوا صدوركم؛ فاليوم عيد؛ ويحق للكاتب في يوم عيد أن يكتب بشكل إن لم يكن جديدًا فهو أقل جدية من المعتاد في غير يوم العيد.
المقال:
تلفت النظر «نغمة التشره»، أي العتب، التي تنطلق بأصوات وأقلام بعض المثقفين، وصار متاح بثها بأريحية عبر الفيسبوك وتويتر كلما جاء وزير جديد للثقافة، وقام بعقد لقاء مع عدد من المثقفين, حسب تقديراته أو تقديرات موظفي العلاقات العامة بالوزارة أو القريبين منها ومنه من أسماء يعرفونها، أو أنها تمثل في رأيهم واجهات ثقافية أو إعلامية بما لم يعد ممثلاً فقط بأصحاب القلم والتشكيل، بل توسع ليشمل نجوم الغناء والتمثيل وربما نجوم سناب تشات ومَن في حكمهم. ولا أدري ما إذا كان ذلك العتب يلفت نظر المسؤول أيضًا أم أنه أمر لا يأبه له في خضم المشاغل «الجمة» المنوطة عادة بأصحاب المسؤولية.. إلا أن ما يلفت نظري كمتابعة -ليس إلا- في ذلك «التشره» هو شعور المرارة إن لم يكن شعور الخيبة لدى البعض بعدم شمولهم بالدعوة إلى لقاء الوزير. وهذا الشعور الذي قد لا يخلو من غرابة بالنسبة لي على الأقل، وليس سواه من ملابسات أخرى هو مثار التساؤل في رأيي. فحقيقة لا أدري ما هي علاقة أي كيان رسمي ولو كانت وزارة الثقافة بطبيعة العملية الإبداعية في صيرورتها السرية التي كما اتفق على توصيفها في أوعية مختلفة كل من الشاعر البحريني قاسم حداد والشاعر اللبناني شوقي بزيغ والشاعرة الأمريكية ريتا دووف بقول ما معناه إنها -أي العملية الإبداعية- لا تتم إلا في علياء الاعتكاف أو في السراديب السفلى للعزلة. كسر غامض بين الذات المبدعة وبين المبدع بعيدًا عن ضوضاء وأضواء الثقافة خارج بوتقة أو معمل النص أيًّا كان نوعه الأدبي أو الفكري. وهذا ما يدفعني شخصيًّا لطرح العديد من التساؤلات لاستكناه دافع أو دوافع مثل هذا الموقف (موقف العتب) من بعض المثقفين على استبعادهم، أو بالأحرى عدم وجود أو عدم ورود أسمائهم على قوائم هذه الدعوة أو تلك من دعوات اللقاء مع مسؤول قيادي لمؤسسة رسمية للثقافة.
* فهل ترجع تلك المرارة وذلك العتب من بعض المثقفين لعدم دعوتهم إلى لقاء رسمي بوزير الثقافة مثلاً لحسهم بأنهم أجدر ممن كانوا محظوظين ونالوا «شرف أو حظوة» الدعوة؟
* هل التشره يعود للإحساس الذي ليس بالضرورة صائبًا بأن في دعوة الوزارة ما يمثل اعترافًا رسميًّا بأهلية مَن يُدعى، والعكس بالعكس؟
* هل التشره يرجع لموقف صادق بأن عندهم ما يقدمونه للوزير في ذلك اللقاء المحدود من مقترحات وآراء قيمة، ترفع شأن العمل الثقافي، وتعمل على تطويره بشكل لا يتم إلا لو أُتيحت لهم فرصة إيصال وجهة نظرهم للوزير شخصيًّا؟..
* هل يرجع ذلك لأن بعضهم يريد الوزير في كلمة رأس، يظن أن اللقاء كان سيمكِّنه منها في غياب قنوات التواصل المباشرة الأخرى مع شخص بيده مفتاح الحل والربط في الشأن الثقافي؛ فكان لا بد من «اهتبال الفرصة» لو حدث وشملته أو شملتها الدعوة؟
* هل يرجع هذا الشعور بالخيبة لأن عدم الدعوة يشكل شعورًا بالتهميش أو الإقصاء والخوف من استفراد أطراف أخرى باهتمام المسؤول الثقافي؟
* هل يرجع الأمر برمته لتأصل الأبوية في المجتمع وتسللها حتى لنفوس بعض أهل الثقافة بحيث يترك أثرًا مريرًا استبعادهم من دائرة الاهتمام الأبوي؟
* هل يرجع الأمر إلى فردانية المؤسسة الثقافية الرسمية في غياب أي كيانات ثقافية مدنية؛ فيشعر المثقف المعني بالعتب أن ليس له من مرجع مؤسسي مساند للعمل الثقافي (نقابيًّا على الأقل) إلا ذلك المصب الأكبر فيتحسس من بعده عن المصب؟
هذه أسئلة ليس لها إجابة واحدة؛ لأن إجاباتها تكمن كمعنى الشعر في ضمير الشاعر، تأسيًا بالقول المشهور «المعنى في بطن الشاعر»، وقد يكون لكل شاعر -أقصد لكل مثقف- معناه الخاص؛ فتتعدد الإجابات بتعدد المعاني.. إلا أنه رغم مجاهدتي للنفس بأن لا أكون ممن يميلون لإصدار الأحكام على الآخرين لا جزافًا، ولا حتى بموضوعية، فإنني أختم بسؤال من وحي هذا الموقف «التشرهي»، هو سؤال: من هو المثقف السعودي؟ ومن هي المثقفة السعودية؟ مَن يمثلهم؟ مَن يعبّر عن حقوقهم المادية والمعنوية؟.. كصرفهم من جيبهم الخاص على طباعة كتبهم، أو أي مشروع ثقافي, وكالحق في التعبير أو في لقاء مع مجموعة مثقفين على كتاب وفنجان قهوة ولو في مقهى عام؟!
وأخيرًا: ماذا يريد المثقف السعودي؟ وما هي مسؤولياته في اللحظة الراهنة؟ وما هو سقف الصمت أو الكلام؟ وكيف يمكن تحسين شروط التعبير؟ وربما لإنصاف «المتشرهين» هذا هو السؤال الذي أرادوا من أجله أن تشملهم الدعوة للقاء مع وزير الثقافة؛ ليعبروا عن بعض المطالب والكثير الكثير من حب تراب هذا الوطن المعطاء.
ليس إعلانًا:
مقالي القادم بعد العيد بإذن الله (النسوية ما لها وما عليها) بعيدًا عن اللغط والاستسهال، قريبًا من البحث والتعمق مع كلمة شفيفة لموقع مبدعات سعوديات. وهذا وعد، أرجو أن يعتبره رئيس التحرير عيدية، ولا يطالبني بثمن إعلان.
وكل عيد و»أنتم للعيد عيد» كما قال المتنبي في قصيدته الأقل شهرة من القصيدة المأثورة عنه «عيد بأي حال عدت يا عيد».