د. جاسر الحربش
أعد الإيراني عبدالكريم سروش من أعمق الباحثين المعاصرين في إشكاليات الإلحاد والتدين ومستقبل البشرية المحتمل مع فقدان الاعتقاد بالأبدية (الحياة الآخرة)، وحقيقة تخلف العالم الإسلامي بشقيه السني والشيعي. سروش جعل من أهم اهتماماته كشف جهل الفقهاء السنة والشيعة المعاصرين بالعلوم المادية الحديثة، مما جعلهم يستمرون في غطس أياديهم في أوانيهم الفقهية القديمة، حسب تعبيره للبحث عن حلول لمشاكل الحياة الجديدة، وقال إن هذه مواصفات الحكومة الإسلامية في إيران.
لبضع سنوات هادن عبدالكريم سروش الثورة الخمينية وعمل كموظف في عدة مراكز حكومية، ثم فضَّل الهجرة والنجاة بحياته وعقله عن الفكر الديني الثوري المتخلّف في إيران وفي العالم الإسلامي كله الذي يحرِّم الاجتهاد التجديدي بتهمة تهديده وتقويضه للحكومات والمجتمعات، رغم أنها تكوينات بأمس الحاجة إلى التجديد.
الاقتباس التالي قد يكفي للتعريف بفكر الإصلاحي سروش:
إن الإصلاحيين الإحيائيين يواجهون حالياً المهمة الصعبة، وهي مصالحة العابر المؤقت (الحياة الدنيا) بالأبدي الدائم (الحياة الآخرة). لقد كانت جهود الإصلاحيين القدماء تتركّز في محاولة إنقاذ الأديان من قيود الظلاميين والدعاة الجهلة والباعة المتجوّلين المتكسِّبين باسم الدين. أما في الأزمنة الحديثة فإن جهود الإصلاحيين الحقيقيين تتركّز في محاولة إنقاذ الأديان من مخاطر السيل الهادر للتطورات العلمية والتقنية، لكونها تفتح الأبواب واسعة للإلحاد ولفكرة التخلّي عن حاجة الإنسان لتصالح الدنيوي العابر مع الأبدي الدائم.
في مكان آخر يقول سروش: بالنسبة للعالم الإسلامي يوجه مدافعون سطحيون في المؤسسات الدينية يجهلون الطبيعة والجغرافيا والأبعاد الهندسية للإسلام، ويجهلون الانتشار التاريخي للحضارة الإسلامية وعمق الحوارات القديمة مع الأفكار. يعتقد هؤلاء أن التدين يمكن أن يحافظ عليه بواسطة العمليات التجميلية. إنهم باستمرار وبغباء يحاولون استخلاص البراهين على مخرجات العلوم الحديثة بطريقة غمس أياديهم في الأواني الفقهية القديمة، ويدّعون وجود تنبؤات بالاكتشافات والظواهر العلمية الحديثة مثل الميكروبات والطائرات والطاقة الكهربائية والفيتامينات. هؤلاء يحاولون في الحقيقة فقط كحت القشرة والصدأ المتراكم عبر العصور عن وجه التدين النقي الذي غطته الاجتهادات الجاهلة، ويفعلون ذلك بطريقة الاحتيال فقط.
ويقول: كذلك يوجد من يطرقون أبواب الاجتهاد الفقهي الشيعي بسطحية ثم يرفعون عقائرهم قائلين نحن ونحن فقط الذين عثروا على كنوز الاجتهاد الصحيح بينما الآخرون (ويعنون السنة) لا يملكون مثل هذه الكنوز. ثم يوجه سروش السؤال إلى فقهاء المذهب الشيعي: إن كنتم حقيقة مسيطرين ومتحلقين حول ينبوع الحياة هذا فلماذا توجد هذه الأغلبية من البؤساء والمعدمين العطاشى من شعبكم؟ ولماذا توجد كل هذه الأفواه الجائعة والشفاه اليابسة؟ ولماذا تتطابق المشاكل في المجتمعات الشيعية والسنية.