محمد سليمان العنقري
قبل أسابيع قليلة من انعقاد قمة العشرين في اليابان زادت المخاطر من انزلاق الاقتصاد العالمي لركود، وذلك بسبب الحرب التجارية بين أميركا والصين بشكل أساسي، فقد قال رئيس بنك مورجان ستانلي: إن الاقتصاد العالمي قد يتعرض لركود خلال تسعة شهور بسبب هذه الحرب التجارية، كما أطلق صندوق النقد الدولي تحذيرات عديدة مشابهة، بل نصح الاقتصادات الواعدة بالاستعداد لهذا الركود العالمي المحتمل، فقد خفض الصندوق توقعه لنمو الاقتصاد الصيني قليلاً، وبالمقابل توقع نمواً للاقتصاد الأمريكي أعلى من التوقعات، وهو ما يثير الاستغراب كون أميركا هي من يقود هذه الحرب التجارية على الصين وغيرها من دول أخرى.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه.. كيف سيتم نقاش واقع الاقتصاد العالمي بالقمة المقبلة والمتسبب بهذه المخاطر أو بالجزء الأكبر منها هم أعضاء بالمجموعة بل من أكبر اقتصاديات العالم؟ أي أن من يفترض أن يساهم بالحلول هو من يتسبب بهذه المخاطر، وهو ما يمثل تحدياً كبيراً أمام المجموعة في معالجة ما يواجه الاقتصاد العالمي من تحديات كبيرة فهي مجموعة تعهدت بدعم النمو بحوالي 2 بالمائة زيادة على المتوقع بداية من العام 2018م، ولكن ما يحدث حالياً هو عكس ذلك؛ إذ تقوم بعض الدول الكبرى أعضاء المجموعة بفرض رسوم على سلع من دول أخرى أدت لتباطؤ بنمو الاقتصاد، وقد تصل به للركود إذا استمرت دون حل واتفاق يعيد الحيوية للتجارة الدولية ويحرك عجلة الإنتاج بأكبر الاقتصادات من جديد.
فالعالم اليوم لم يعد يحتمل أي صدمة جديدة للاقتصاد الدولي؛ إذ استنفذت أغلب الذخيرة، فحتى الفيدرالي الأمريكي وعد بخفض أسعار الفائدة من جديد إذا تطلب الأمر ذلك لحماية النمو الاقتصادي الأمريكي ولا يبدو لديه أسلحة أقوى من ذلك كما كان سابقاً قبل أزمة 2008م، وقد توقع بنك جي بي مورغان أن تخفض أسعار الفائدة مرتين هذا العام من الفيدرالي الأمريكي فهل تصبح أميركا بسياسة فرض الرسوم كمن يطلق الرصاصة على قدمه؟
أما على صعيد ردات الفعل عالمياً فقد تراجعت أسعار البترول بشكل حاد خلال الأسبوعين الماضيين، وارتفع سعر الذهب الذي يعشق الأحداث السيئة كما يوصف دائماً وهي إشارات لمدى القلق الذي ينتاب المتعاملين بالأسواق عموماً لكن التعهد بخفض أسعار الفائدة من جديد وكذلك منح الصين وقتاً أطول قبل فرض أي رسوم إضافية لإعطاء وقت للتفاوض من قبل الأمريكان ساهم بتخفيف القلق وعادت الأسواق وأسعار النفط للارتفاع، لكن كل ذلك لا يخرج عن سياق ردات الفعل، أما ما سيثبت عودة الهدوء للتعاملات بالأسواق واستقرار الأسعار قبل أن تعود لاتجاهها الذي كانت تسير عليه فهو إن تخرج إعلانات تعزز من التوقعات بقرب إيجاد حلول لملف الرسوم بين أميركا والصين وطمأنة العالم من خلال قمة العشرين بأن يتم دعم نمو الاقتصاد العالمي ومنع انزلاقه لركود.
قمة مفصلية مقبلة لأكبر تجمع اقتصادي بالعالم لأنها تواجه تحديات ضخمة في كيفية إعادة الثقة للاقتصاد العالمي وتعزيز نموه من دول بعضها هو المتسبب بهذه المخاطر فكيف ستكون الاجتماعات والنقاشات خصوصاً الثنائية بين تلك الدول؟ وهل سيتحملون المسؤولية كاملةً ويخرجون بالحلول المناسبة لإنهاء الحرب التجارية وحماية الاقتصاد العالمي قبل أن يخرج عن السيطرة وتصعب الحلول لأن الثمن سيكون باهظاً، ومع ارتفاع الديون السيادية للدول العظمى فإن قدرتهم على إيجاد الحلول ستكون ضعيفة والآثار السلبية ستمتد لسنوات طويلة.