فواز السيحاني
تحيّة طيبة وبعد:
في حوارك مع صحيفة الـ»تلجراف» البريطانيّة قبل عِدة أيام اتهمت المملكة بدعم الإرهاب، مستندًا على أن قُرابة 15 إرهابيًا من أصل 19 خلال أحداث سبتمبر كانوا من أصلٍ سعوديٍّ، عوضًا عن مزاعم أخرى. ولأن هذا الاتهام وتلك المزاعم مزعجة لي شخصيًّا وللآخرين من أبناء الخليج وبكل تأكيد فاسمح لي أن أوجه لك بعضًا من الأسئلة المهمة كي تجيب عليها بما يحترم الوعي الإنساني أولاً وأخيرًا:
o ما رأيك فيما ذكره المذيع يسريّ فودة في كتابه «في طريق الأذى: من معاقل القاعدة إلى حواضن داعش «فحين ألتقى يسري بحاكم قطر في مطعمٍ إيطاليّ عرض عليه ملايين الدولارت لإعطائها للإرهابيين مقابل إمدادهم للجزيرة بتسجيلات حصريّة؟. فهل كنت تتوقع أنت مصحوبًا بحاكم قطر إبان تلك الفترة أن يصرفها الإرهابيون على جلسات المساج والاستجمام؟ أم على الإرهاب وشراء مزيد من الطلقات لقتل الأبرياء؟ ألا يمثل هذا العرض دليلاً قاطعًا ومنطقيًّا أن قطر تدعم الإرهاب بغطاء المعلومات الصحفيّة واللقاءات الحصريّة وليس المملكة؟
o في حوارِكَ ذاته زعمت أن إيران لم تُلحق أيةُ أذىً بقطر، ويبدو هذا - على الأقل بالنسبة لي- أمرًا مضحكًا، أعني أن تتهم السعوديّة بالإرهاب في العالم، ثم تبرىء إيران مباشرة؛ لأنها وإن ملأت الدنيا خرابًا فإنها على أقل تقدير لم تؤذي قطر!!. فيا سعادة رئيس الوزراء الأسبق ومع كامل التقدير والاحترام الإنساني هل أطلعت على الوثائق السريّة التي عُثر عليها في حاسوب «زعيم تنظيم القاعدة» أسامة بن لادن، ووثائق أخرى تثبت أن إيران عرضت على بن لادن عِدة اتفاقيات منها: تزويد التنظيم بالمال والأسلحة وتدريبهم في معسكرات حزب الله بلبنان؛ شريطّة أن يكون المقابل ضرب الأماكن المهمة اقتصاديًّا وسياسيًّا في منطقة الخليج؟، فضلاً عن إيواء طهران لعددٍ من العناصر الإرهابية المنتميّة لذات التنظيم!.
o لقد برأتَ إيران لكونها لم تضرّ قطر، وكأنك بذلك تقول: «ليذهب الخليج إلى الجحيم ما دامت قطر لم تتضرر من طهران»، وكأنك بذلك لا تأبه بالكويت وخليّة العبدلي، بالبحرين ومحاولات الانقلاب الناعمة في السنوات الماضيّة، وكأنك لا تهتم بمكة وقبلة المسلمين التي أَطلقتْ عليها إيران صواريخ بالستية باستخدام الحوثي؟
o وجهت طلبك لوليّ العهد السعودي في نهاية حوارك بأن يُوقف الحرب في اليمن، ولأنك لم تتجرأ ولو للحظة واحدة كي تدين الحوثي وتهديده لمكة أو بالخليج ككل، فاسمح لي أن اسألك هذا السؤال البسيط إدراكيًّا وعقليًّا: إن كانت قطر ترفض مطالب دول الخليج لتحقيق الاستقرار؛ بذريعة أن الدوحة ترفض الوصايا الخارجيّة، فلماذا الآن تمارس ما ترفضه، وتطالب المملكة التي تدافع عن مقدساتها ومقدسات المسلمين بالمصالحة مع الحوثي مع فارق التشبيه طبعًا؟ ثم ألا تعرف بأن المملكة دعمت عجلة الحلول السياسيّة في اليمن، خذ مثلاً مفاوضات «استوكهولم» والتي من ضمن بنودها أن يتعهد الطرفان بعدم إجراء أي تصعيد، فما الذي حدث بعدهها؟، وأيضًا مفاوضات الكويت التي تعنت فيها الحوثي بطريقة تؤكد رفضه لأي حلول سياسيّة وأنهُ لا يفقه سوى لغة النار والحرب، بدليل أنه قصف مخازن القمح في اليمن باعتراف الأمم المتحدة، فعل ذلك كي يكون الجوع مصيرًا حتميًّا لأهل اليمن الأشقاء ولكي يكون هذا الجوع أيضًا وسيلة للضغط على المملكة كي يبقى على حساب أهل اليمن الأبرياء، رجالاً ونساءً وأطفالاً.
o في حوارِكَ طالبت المملكة أن تُؤسس لسلامٍ مع إيران تزامنًا مع تقاربها مع إسرائيل باعتبار أن إيران أولى، وأضفت قائلاً: «إذا كانت الدول العربية تسعى لتحقيق السلام مع إسرائيل، فلماذا لا تسعى إلى السلام أيضًا مع إيران؟، ولماذا لا تجلس مع الجانبين ويتم حلحلة المشكلات». ولأني سأجيب علميًّا وعمليًّا على الجزء الأول من حديثك الذي يخص وطني، فاسمح لي أن أتشارك معك هذا البحث المهم الذي لا يؤمن باللغات الإنشائية، أو بالاتهامات الهوائية، ففي أوائل هذا العام نشر «المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجيّة والإقليميّة» بحثًا مطولاً بعنوان: «هل إسرائيل والسعوديّة على طريق التطبيع؟»، وبإمكانك التواصل مع مَن تثق به من مستشاريك؛ ليمدك بهذا البحث أو على الأقل ليعطيكَ نبذة مختصرة عنه، إذ يؤكد البحث الذي كتبه د. ميخال يعاري بأن المملكة ليست هي المتلهفة على التطبيع، بل إسرائيل التي أبدت عدم جديتها في المطالب السعوديّة والمتمثلة في القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني، وأن التطبيع سيبقى على رف التاريخ دون أن يتحقق منه شيء. ليس هذا فحسب بل يذكر الكثير من المختصين أن إسرائيل بدأت خلال العامين الماضيين في مخاطبة الرأي العام العربي مباشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ بذريعة التطبيع وفي البداية كان يقود هذه الحملة المتحدثون الرسميون للحكومة ومكتب رئيس الوزراء والمتحدثون الرسميون للجيش والخارجية وانضم إلى هؤلاء لاحقًا صحافيون مختصون في الشؤون العربية في صحفهم ومؤسساتهم التي يعملون بها، ومن ثم اتسعت المسألة لينضم إلى هؤلاء معرفات بأسماء شخصية غير معروفة، ومعظم هذه الشخصيات لها علاقات بأجهزة صياغة الرأي العام في الاستخبارات الإسرائيلية سواءً أكان الموساد أم شعبة المخابرات العسكرية في الجيش وأشهرهم إيدي كوهين، والهدف من ذلك بتأكيد المختصين الإسرائيليين أنفسهم والكثير من دراساتهم أن سعي تل أبيب لعقد اتفاقيات السلام مع الأنظمة السياسية العربية لم يكن مجديًّا ولم يؤد نتيجة ملموسة ولو جزئية؛ لتوسيع علاقاتها مع المحيط العربي لتشمل جميع المجالات، وخيرُ مثال على ذلك اتفاقيات السلام الموقعة مع مصر والأردن، كما أن هذه الاتفاقيات لم تتطور إلى علاقات طبيعية؛ ولهذا ركزت دراسات إسرائيلية عديدة على ضرورة تغيير الطريقة التي تعمل بها إسرائيل مع العالم العربي وعكسها؛ بحيث تبدأ من الأسفل إلى الأعلى، أيّ التواصل مباشرةع الشعوب العربية عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي وفرت هذه الفرصة، وأسست لأرضيّة شعبوية للقبول بفكرة التطبيع تجاوزًا للحكومات.
o ختامًا لديَّ أسئلةٌ كثيرة تحاول أن تستفسر عن كثيرٍ من إجاباتك في حوارك الأخير، وفي حواراتكِ الأخرى؛ لكني وللأمانة أكتفي بهذه الأسئلة التي أنشرها بوصفي مواطنًا خليجيًّا أولاً وأخيرًا، فآمل أن تجيب بالكثير من الصدق والشجاعة، إن كنت تملكها.