عبد الله باخشوين
** إذا قلنا إن أهم مشكلات (الثقافة العربية) والسعودية (تحديداً) تكمن في عدم القدرة على حسم (صراع الأجيال) فيها.
لأنه ما زال يهيمن عليها (النمط التقليدي).
ما زلنا نخضع نظرتنا للأجيال.. في سياق تراتبي يبدأ بـ(الرواد) و(مجايليهم) ومن جاء أو ظهر بعدهم إلى أن نصل إلى (الشباب).
وفي كل هذا وجدنا أننا ما زلنا في الحالة (التقليدية) للتصنيف الذي فرضته (الثقافة المصرية) منذ بداية القرن الماضي بتراتبية (صارمة) مضت تصنف (النتاج الثقافي والإبداعي) بجيل (الستينات ثم السبعينات ثم الثمانينات) وهكذا وفي تصنيفنا السعودي ما زال هناك من يصنف أبناء (جيلي) بالأدباء (الشباب) مع أن أصغرنا (سناً) تجاوز (الستين) منذ زمن بعيد.
ظهرت بعدنا أجيال وجدت نفسها خارج إطار اهتمام (الساحة التقليدية).. ولكى تقدم عطاءها ونتاجها (الثقافي) والإبداعي وجدت نفسها مجبرة على نشر نتاجها خارج إطار المؤسسات التقليدية كالأندية الأدبية وغيرها.. وقامت بنشر نتاجها في الخارج -وربما دفعت تكاليف هذه الأعمال- وبهذه -المناسبة-يعد الروائي محمد حسن علوان أحد هذه (الأسماء) مع قائمة طويلة من الشبان والشابات.. الذين لم يجد (معظمهم) من الصحافة (الثقافية التقليدية).. لا الاهتمام.. ولا النقد ولا حتى التقديم والاعتراف.. أما من تجاوز هذا (الطوق).. فقد تجاوزه بجهود ذاتية لا فضل فيها لأحد.. وخاصة أن أجيالاً -مثلنا- وجدت من العناية والاهتمام وإتاحة الفرص أكثر ما تستحق بكثير..
ولا يرقي نتاج كثير من (أسمائها) إلى مستوى نتاج الشباب الذين ظلوا يقودون تجاربهم الخاصة ويسعون لإثبات وجودهم.. بطريقة شاقة.. حتى وجدنا أن رد الفعل الطبيعي لعدد كبير منهم..
يقوم على مواجهة من نوع غريب.. يريدون أن يوحوا من خلاله.. أنهم بداية (حركة ثقافية) لا جذور لها.. ويجهر كثير منهم بهذه الحقيقة.. وخاصة إذا عرفنا أنهم لم يتأثروا أو يستفيدوا شيئاً لا من أبناء جيلي ولا من سابقيهم ولا من اللاحقين بهم وأنهم أسسوا ثقافتهم وبنوا فضاءاتهم المعرفية في سياق شخصي وخاص لا يدين لكل نتاج الأدب السعودي بأي شيء.. لا كتأثير ولا مشاركة في (الهم) المحلي. الإنساني.. وهم جميعًا يقترحون أنفسهم كفضاء جديد وخاص.
في ظل هذا ما أهمية وجود (أندية أدبية ثقافية)؟ نعرف جميعًا أن (معظم) حضور (أمسياتها) وأنشطتها.. لا يأتون إلا بضمان وجود (مائدة العشاء) التي (تلي) الأمسية.. ولو أن هناك تدقيقًا (ماليًا) لعرفنا أن أكثر من ربع ميزانية (الثقافة) تذهب لملء (البطون).
ولو دققنا في (قائمة) المطبوعات التي أصدرتها وتصدرها.. هي ذات مستوى ثقافي وإبداعي شديد التواضع.. أو كما قال لي سعيد السريحي من على منبر نادي (جدة) الثقافي وكنت احتج علي (رخص) سعر الدرع الذي قام النادي بأهدائه للمرحوم عبدالعزيز مشري:
- (الجود من الموجود يا عبدالله)؟!
وخارج القاعة.. كان العمال يقومون بالاعتناء بمائدة (العشاء) ببذخ وكرم.
صحيح أنني أدين لنادي جيزان ونادي الرياض ونادي الطائف بطبع ونشر (كل ما كتبت) إلا أنني اعتبر ما كتبت ونشر لي هو أفضل من النتاج (الرديء) الذي تنشره الأندية الأدبية والثقافية.
إن الأمر يبدو لي كأن (الأندية) تخضع للنشر لمن حولها ويدور في فلكها.. وقد روى لي المرحوم الشاعر (محمد الثبيتي) أن نادي (مكة المكرمة الأدبي) رفض نشر ديوانه الأول.. فنشره (على حسابه).
ما أهمية وجود أندية أدبية (في كل مكان) وكأن الأمر يتم لإرضاء (الجميع) وبطريقة تتناقض مع علاقة الثقافة والإبداع بـ(المكان)، فالإبداع قد يأتي من بقعة نائية وليس من مدن عامرة بأهلها وخيرها.
لا أريد أن أمضي بعيداً في هذا السياق.. لأنني سوف أذهب للقول.. إن الثقافة والإبداع لدينا.. هما بحاجة إلى (منصات إلكترونية) متطورة وبأكثر من لغة.. ففيما يتعلق بإنتاجنا الإبداعي (المحلي) وأبحاثه.. ودراساته.. نحن بأمس الحاجة إلى تقديمه (للعالم) من خلال قاعدة (تقييم) نتاجنا المتراكم.. أو على الأقل (الأحدث) والمناسب منه وترجمة (المناسب - أيضًا) وعبر جهات التخصص.. ليعرف العالم (الوجه الآخر) لبلادنا.. وهنا تحضرني حادثة تمت في عهد الرئيس الروسي ميخائيل جورباتشوف، فبعد أن ظلت رواية الكاتب الروسي بوريس باسترناك الحائزة على جائزة نوبل ممنوعة ومجهولة في الاتحاد السوفياتي أعاد الاعتبار لكاتبها بنشر (عشرة ملايين) نسخة في طبعة (شعبية) وكتب لكل المنظمات الدولية باعتبار عام 1990 عاماً (دوليًا) لباسترناك.
وهذا أعاد الاعتبار لـ(الثقافة الروسية).
أما نحن فإن ثقافتنا لم تكتشف بعد.. ومن المنصات الإلكترونية يمكن أن نقيم قنوات تواصل وتوصيل تمكن من الإطلال على أهم ما لدينا من نتاج.
نحن بحاجة إلى أكثر من مجلة ثقافية (إلكترونية) للأدب والفن التشكيلي والدراسات وغيرها إما لواردات وزارة الثقافة السير في الطريق التقليدي.. فإن الله وحدة يعلم كم بلغ عدد الكتب التي تضمها مستودعات الوزارة السابقة.. بعد أن دفعت (تشجيعًا) للكتاب ثمناً أكبر بكثير جداً من الثمن الذي تستحقه.
وأعتقد أن الوقت أصبح مناسباً للخروج من النمط التقليدي الذي ظلت تفرضه.. تراتيبية تقدير جهود الأجيال المتوالية.. حيث إن الثقافة الإنسانية تجاوزت هذا السياق وأصبح الحفاظ عليه ورعايته هو من مهام (المكتبات العامة).
ولا أريد أن أظهر بغير حقيقتي وأتفلسف.. وأتشدق بالقول بما يجب وما لا يجب.. وما كل هذا سوى كلام أحد الذين.. قد يعتبرون من المحسوبين على الثقافة.. ولو جزافاً وبغير وجه حق.