د. جاسر الحربش
أسوأ تعريف لمفهوم الديموقراطية هو اشتقاق تطبيقها من المعنى الحرفي لكلمة ديموقراطية. توجد تعريفات فجة وسائبة لمفهوم الديموقراطية، انتشر بعضها بسبب النقص المعرفي أو رفض عقائدي متوجس ومنغلق على إدراكه المحدود. هناك من يقول الديموقراطية هي حكم الشعب للشعب بالشعب، ومن يقول إنها تعني تشارك عامة الناس في القرارات الوطنية المصيرية، ومن يقول الديموقراطية هي تشارك الكسول والغبي والمحتال مع النشيط والذكي والشريف بخيرات البلد، وغير ذلك من التحريفات المبنية إما على الجهل أو التجهيل المتعمد أو حتى على التشويه المقصود بهدف التكفير وإنزال العقوبة.
الديموقراطية في تطبيقاتها تختلف عما توحي به الترجمة الحرفية للمفردة، تماماً مثلما أن التشريعات السماوية عندما جعلت بعض البشر سخرياً لبعضهم لا تعني الاستعباد والاستغلال، وإنما التكافل الخدماتي المتبادل. حسب التطبيقات حتى الآن في الدول الأقرب للأنظمة الديموقراطية تحول المفهوم إلى دساتير لتحقيق أولويات ثلاث:
الأولوية الأولى ديموقراطية إنقاذ الإنسان من تراكم الهموم المعيشية الأساسية، الطعام واللباس والمأوى.
الأولوية الثانية ديموقراطية الوصول إلى اكتشاف القدرات الكامنة للمواطن من خلال توخي العدالة في تكافؤ الفرص والبحث العادل عن المواهب في المهارات الفكرية والعملية والفنية.
الأولوية الثالثة ديموقراطية الوصول إلى آلية إدارية يضمن بها المواطنون الحصول على من يمثلهم وينقل همومهم وطموحاتهم إلى المراكز العليا للسلطات.
هذه الأولويات مرتبة كما هي لا زالت غير كاملة التطبيق في أي نظام أو دولة عصرية، ولكنها تبقى كما هي الأهداف العليا لكل دولة وطنية عادلة. لماذا هذا الترتيب للأولويات؟. أولاً لأن المواطن المشغول من فجر يومه حتى دخول ليله بالكدح من أجل الحصول على لقمة العيش وستر الجسد وملاذ النوم لا وقت ولا معنى عنده لأي شيء آخر، وثانياً لأن انعدام تكافؤ الفرص يدخل المجتمع في التكتلات الفئوية والرشوة والنفاق وكل أنواع الفساد، وثالثاً لأن انعدام الآلية لنقل هموم وطموحات المواطن إلى السلطات العليا يفتح بين الطرفين هوة عميقة للإشاعات والفوضى والتدخلات الخارجية.
وأخيراً، لا حاجة لاستيراد الكلمة أو المصطلح «ديموقراطية» لأن تطبيقاتها هي أساسات بناء الدول والتشريعات السماوية.