فضل بن سعد البوعينين
عجز وزراء المالية ومحافظو البنوك المركزية لمجموعة العشرين المجتمعون في فوكوكا جنوب اليابان عن اتخاذ خطوات عملية لمواجهة الحروب التجارية التي تهدد الاقتصاد العالمي، وتنذر بحدوث أزمة مالية كنتيجة مباشرة للمتغيرات الاقتصادية الحادة. وبالرغم من التوافق على مضمون البيان الختامي إلا أن الولايات المتحدة نجحت في تغليب وجهة نظرها، وربما مصلحتها، حيال ملف النزاع التجاري بينها وبين الصين، وانعكاساته على نمو الاقتصاد العالمي؛ وبالتالي خفض مستوى التركيز على أهم الملفات الواجب مواجهتها في اجتماع القمة.
تصر الولايات المتحدة على أن المسألة التجارية غير مسؤولة عن تباطؤ النمو العالمي، في الوقت الذي تؤكد فيه المديرة العامة لصندوق النقد الدولي «كريستين لاغارد» أن الخلافات التجارية تشكل «الخطر الرئيس» على الاقتصاد العالمي، وهو الأمر الذي يشاركها فيه غالبية ممثلي دول العشرين.
«لاغارد» شدَّدت على أن حل النزاعات التجارية الحالية يجب أن يكون في مقدمة الأولويات، ويتضمن إلغاء الرسوم القائمة، وتفادي فرض أية رسوم جديدة.
لم يخلُ البيان الختامي من الغرابة في بعض فقراته، خاصة الفقرة التي أكدت تفاقم التوترات التجارية والجيوسياسية بما يزيد المخاطر، مع إغفال التحوط منها، واقتراح آلية معالجتها، أو مجرد الدعوة لحل النزاع التجاري المتفاقم بين أمريكا والصين.
كما أن تباين الرؤية حول إمكانية انتعاش الاقتصاد العالمي بنهاية العام الحالي، وفي 2020، تنقضه تحذيرات صندوق النقد الدولي من أن الخلاف التجاري سيقلص النمو في العام المقبل؛ وهو أمر يستوجب المراجعة والمكاشفة أيضًا.
بالرغم من تعسر ولادة بيان وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية لمجموعة العشرين لأكثر من 30 ساعة إلا أن التوافقية طغت على مضمونه. لم يوفَّق المجتمعون في التعامل مع أهم الملفات المهددة للاقتصاد العالمي، والعمل لتجنيبه مخاطر الركود، وربما الأزمات الحادة.
فالتوتر التجاري بين الولايات المتحدة والصين يوشك أن يقوض جميع الخطوات الإصلاحية التي نجحت مجموعة العشرين في تحقيقها، كما أنه أخرج المفاوضات التجارية المنضبطة والمؤطرة بأنظمة التجارة العالمية إلى فضاء الرهاب الاقتصادي الذي لا يمكن التعايش معه أو التنبؤ بمخاطره المستقبلية.
فتحقيق المصالح الآنية قد يتسبب بخسائر فادحة مستقبلاً، وقد يقود العالم، بما فيه الدول المستفيدة اليوم، إلى الهاوية الاقتصادية؛ وهو ما يستوجب التعامل بعقلانية ومسؤولية مع أهم الملفات المؤثرة في النمو الاقتصادي، والاستقرار المالي، واستقرار الدول.
قد يكون ملف التوترات التجارية والجيوسياسية من أهم الملفات الواجب التعامل معها بحكمة، ورؤية شمولية، لحماية الاقتصاد العالمي من الأزمات والمخاطر المتوقعة، إلا أن ملف الديون السيادية لا يقل أهمية عنه، وأحسب أنه على علاقة مباشرة بتداعيات الحرب التجارية الدائرة بين الولايات المتحدة والصين التي قد تتسبب بإشعال فتيله. فهل تعود مجموعة العشرين إلى محور اهتمامها الذي أُنشئت من أجله، وتعمل على معالجة الملف المالي الأكثر أهمية، والملفات الخطرة الأخرى التي تعمل الولايات المتحدة على تهميشها تحقيقًا لمصالحها الخاصة، أم تمضي في طريق التوافق المهدد لمصلحة الاقتصاد العالمي واستقرار دوله؟