فضل بن سعد البوعينين
استأثرت مشاريع الحرم المكي والمشاعر المقدسة بالأهمية والأولية للقيادة السعودية مقارنة بمشاريع التنمية الأخرى، وتميزت عنها بالاستدامة بالرغم من متغيرات الدخل الحكومي، الذي يؤثر في حجم الإنفاق التنموي. ومع إطلاق رؤية 2030 حظيت مكة المكرمة والمشاعر المقدسة بأهم برامجها التنفيذية، وهو «برنامج خدمة ضيوف الرحمن» الذي يهدف لتحقيق ثلاثة أهداف استراتيجية، تتمثل في تيسير استضافة المزيد من المعتمرين، وتسهيل الوصول إلى الحرمين الشريفين، وتقديم خدمات ذات جودة للحاج والمعتمر، وإثراء تجربتهم الدينية والثقافية. ويستهدف البرنامج استضافة 30 مليون معتمر وخمسة ملايين حاج بحلول العام 2030، وهو رقم ضخم، يتطلب الكثير من العمل المنظَّم والمشاريع التكاملية والقدرات التنفيذية والخطط التنظيمية الكفؤة. شكَّل إنشاء الهيئة الملكية لمدينة مكة والمشاعر المقدسة برئاسة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان المرحلة الأولى في سبيل تحقيق أهداف البرنامج المعلنة؛ فالبرامج الاستثنائية تحتاج إلى مرجعية قوية، تمتلك الرؤية، والمعرفة، والكفاءة، والطموح.. وتضع الاستراتيجيات المستقبلية، إضافة إلى امتلاكها الصلاحيات الشاملة على المنطقة المستهدفة بالتطوير، بما يضمن ديناميكية العمل، وتجاوز البيروقراطية القاتلة. ثم جاءت المرحلة الثانية المتمثلة بتدشين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز برنامج خدمة ضيوف الرحمن، الذي سيُحدث نقلة نوعية لمدينة مكة والمشاعر، ويعزز ارتباطها بكل ما له علاقة بالحجاج والمعتمرين من بداية رحلتهم للمملكة حتى عودتهم، أو كما ذكر في البرنامج «من الفكرة إلى الذكرى».
ويمكن تصوُّر مكونات المرحلة الثالثة من خلال اجتماع مجلس إدارة الهيئة الملكية الأخير الذي وافق على التوجُّه الاستراتيجي لمدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة. أعتقد أن تحديد النطاق الجغرافي لعمل الهيئة، وفق كل ما له علاقة بالحجاج والمعتمرين، بدأ من مطارات (جدة، الطائف والمدينة والمنورة)، والمواقيت المكانية والمدن الحاضنة لها، مرورًا بالسكك الحديدية، وضواحي الحجاج والمعتمرين المقترحة. ويفترض أن يشكِّل المرحلة المفصلية والمؤثرة لتحقيق الشمولية والتكامل، وضمان الإنجاز وفق أهداف الرؤية. إنشاء شركة المشاعر المقدسة للتنمية والتطوير من أهم القرارات النوعية المتخذة من قِبل المجلس. خلق ذراع تنموية للهيئة سيساعدها على سرعة الإنجاز، وتحقيق الجودة، وكفاءة الإنفاق، وتراكم الخبرات.
أختم بإعادة طرح ما كتبته في 20/ 9/ 2008 في الجزيرة بعنوان «فنادق مكة المكرمة للأثرياء»، الذي جاء فيه: «أعتقد أنه من الأفضل أن تكون لدينا ضواحٍ للحجاج والمعتمرين، ترتبط بمنطقة المسجد الحرام بقطارات معلقة، أو تحت الأرض. وتُبنى هذه الضواحي متكاملة التجهيز في المواقع غير المطورة حاليًا، أو الأحياء العشوائية، أو الأحياء القديمة، وفي جهات مختلفة من مكة المكرمة، بما يجعلها أكثر أمنًا وسلامة، وكفاءة لإيواء الحجاج والمعتمرين والزائرين، إضافة إلى سهولة الانتقال منها بواسطة القطارات إلى المسجد الحرام بكل يسر وسهولة. مشاريع جبل عمر والمشاريع الأخرى لن تكون كافية لمواجهة الأعداد الكبيرة للحجاج والمعتمرين. ولعل الأعوام القادمة تشهد تضاعفًا للأعداد الحالية؛ وهو ما يفرض علينا العمل على إيجاد الحلول المناسبة لأزمة الإيواء المستقبلية».. أرجو أن نرى ضواحي مكة وقد أُنشئت؛ لتسهم في فك الاختناق عن منطقة المسجد الحرام، ولتسهم في تنمية المناطق المهملة خارج المنطقة المركزية.