محمد آل الشيخ
لك الحق أن تختلف معي في الرأي، ولكن متى ما عملت بالأساليب غير الأخلاقية والتآمرية لفرض آرائك بالقوة وبالعنف، أو بالتحريض عليه، أو بدعمه، فأنت هنا تمارس إرهاباً إجرامياً مستوفياً أركان الجريمة.
سعد الفقيه ومحمد المسعري استوطنا لندن منشقَين عن بلادهما، وعملا على إسقاط الدولة السعودية والإثارة فيها منذ أكثر من 25 عاماً، ولم يُحققا من النجاح أي قدر يمكن أن يُعوَّل عليه، وأعتقد أنهما راهنا في زمن الصحوة القميئة على قراءات بعض المتأسلمين حينها، وكانت قراءات رغبوية بحتة، مؤداها أنهما سيعودان إلى المملكة كما عاد الخميني إلى إيران، أبطالاً تلتف حولهم الجماهير، وتشرئب لرؤيتهم الأعناق، وتلتهب الأكف بالتصفيق مؤيدة لهما. غير أنهما تحولا إلى (مرتزقة) يوظِّفهما أعداء المملكة لأغراضهم، مثل دويلة قطر، وملالي إيران، والقذافي المقبور؛ بقدر ما يشتمون وطنهم وقيادته تأتي الأجرة، وهكذا دواليك. والآن لا أشك لوهلة أنهما - إذا كانا عاقلين - يعضان أصابع الندم، بعد أن اكتشفا أنهما كانا يراهنان على أوهام صحوية، وتهيؤات خرافية، يحسبها الظمآن ماء.
في لقاء مع أحد مَن كان من زمرة المنشقين في لندن، ثم عاد إلى رشده وتاب، وآب إلى المملكة، وهو الدكتور كساب العتيبي، شرح بالتفصيل كيف كان الفقيه يتسلّم (الأجر) شهرياً من قطر، وكيف كان يستأثره لنفسه دون المنشقين الآخرين، بعد أن أيقن أن بقاءه في لندن سيطول، وأن الأوطان لا يسقطها الصراخ والنعيق والجعجعة، والشتم والسب، وتلفيق التهم، ولا بد له أن يهتم أولاً (بنفسه)؛ لأن مشاريعه وآماله كانت ضرباً من الأوهام، فصار يسرق جل رشاوى القطريين، ويحرم منها زملاءه، ويؤسس له ولأسرته مصادر دخل، فرهاناته ثبت فشلها الذريع، ولم يحقق لا هو ولا رفيقه الذي جاء معه، ما يمكن أن يكون نجاحاً ولو كان ضئيلاً.
الغريب أن فشل الفقيه والمسعري الذريع لم يتعظ منه آخرون، ساروا على نفس الخطى، ولا سيما أن المملكة الآن في أوج قوتها ومنعتها داخلياً وخارجياً، فقد كان هناك كثير من الأخطاء والاعوجاجات، تمّ القضاء عليها قضاءً تاماً، ولم يسلم من المحاسبة لا كبير ولا صغير، كما لم يحدث في تاريخ المملكة أن شهدت مثل هذا التلاحم بين القمة والقاعدة كالذي يحدث الآن.
والسؤال: لماذا لم يتعظ المنشقون الجدد بما آلت إليه أوضاع المنشقين القدامى؟
السبب الأول، والذي يشترك فيه كثير من المنشقين الجدد الذين هربوا للخارج، أن نسبة كبيرة منهم أصحاب تهم جنائية، ولما تيقنوا أنها ستودي بهم إلى القضاء والمحاسبة، هربوا إلى الخارج، وسمّوا أنفسهم (معارضين) وهذا بالنسبة لهم حل سهل، يخلصهم مما اقترفوا من جرائم، وما ثبت عليهم من تهم، ولا سيما أن هناك جهات خارجية مثل قطر، ستحتضنهم، وتوفر لهم من المال ما يمكّنهم من البقاء والعيش هناك. وهنا لا بد من القول إن هؤلاء ليسوا كل المنشقين، فهناك أقلية منهم اختاروا الانشقاق اختياراً، دون دوافع اضطرتهم إلى الانشقاق؛ وهؤلاء في الغالب (أغيلمة) صغار من المبتعثين، يفتقرون إلى الوعي، وقراءة الأوضاع بواقعية، وربما وقعوا في شراك بعض الجماعات المناوئة للمملكة، فشجعوهم على الانشقاق.
الذي لا يدركه هؤلاء، ولا يضعونه في موضعه بعقلانية، أن المملكة عمرها ثلاثمائة سنة، وشرعية حكامها متجذِّرة في ترابها، وفي أعماق شعبها، كما أن علاقتها مع العالم شرقه وغربه، في منتهى القوة، واستقرارها مرتبط ارتباطاً حميمياً باستقرار العالم، واقتصادها بمثابة الشريان للاستقرار الاقتصاد العالمي، وفي أرضها الكعبة المشرفة، التي تهوي إليها أفئدة مليار وخمسمائة مليون مسلم، إضافة إلى أن لديها أجهزة أمن تصدت سنوات وسنوات لتحديات متنوعة، وانتصرت عليها، ولن تهز قوتها ولا أمنها واستقرارها أية قوة حتى وإن كانت عظمى، فهل من المعقول أن يأتي مجموعة بلا فكر ولا حجج مقبولة لتنسف هذا البنيان الشاهق؟
إلى اللقاء