د. أحمد الفراج
لا يجادل أحد أننا نعيش في زمن الحروب الإعلامية، وهذا يتطلب أقصى درجات المهنية، فكل حرف محسوب، وكل كلمة لها ثمن، وبعض الأثمان غالية، ومع كل ذلك، فإننا ابتلينا خلال السنوات القليلة الماضية بمن رأى في المجال الإعلامي فرصة للظهور والشهرة وربما التكسّب، فصار المجال مفتوحاً لكل من هبّ ودبّ، ومعظم هؤلاء يعتقد أن أهم مقومات المعلّق التلفزيوني هو التّأنق أمام الكاميرا ومن ثم الصراخ، الذي غالباً يجذب الجمهور العاطفي، ومع الصراخ يفلت اللسان بكلمات غير محسوبة أو معلومات خاطئة، وبما يسيء للقضية التي يعتقد الجهبذ أنه يدافع عنها، ولا أصدق ما يصلني من مقاطع فيديو، حيث الفوضى المعلوماتية، واللغة التي لها لا علاقة لها بالإعلام، بل بالمجالس الخاصة، وربما يخجل من يحترم نفسه أن يتحدث بمثل ذلك حتى في المجلس الخاص، فالإعلام ليس مهنة من لا مهنة له، بل فنّ يتم اكتسابه، وبالتالي يتوجّب على من يخوض غماره صقل الموهبة بالتدريب والبحث العميق والدراية بأصول هذه المهنة الراقية، التي تعتبر من أهم وأقوى السلطات.
لا أدري ما الذي حدث، فقد كنا فيما مضى لا نشاهد هذا الكم الكبير من المتطفلين على هذه المهنة الراقية، ثم فجأة، فتح الباب على مصراعيه، حتى أصبح المشاهد يجد صعوبة في التفريق بين الغثاء والمحتوى الجيد، ولا أدري إن كان القائمون على بعض القنوات التلفزيونية يدركون هذا المأزق الذي يمر به إعلامنا، في هذه المرحلة الحرجة، فالأمر أصبح حديث المجالس، والمؤلم في كل هذا هو أن المحتوى، الذي يقدمه المعلقون الجدد، أصبح بعضه مادة تندر وسخرية، يستخدمها الإعلام المعادي لنا، أي أن بعض ما يقدمه هؤلاء الجهابذة باسم الدفاع عن الوطن، أصبح يُستخدم من قبل الخصوم ضد الوطن، لأن الإعلام لعبة خطرة، إذا لم يتم استثمارها بمهنية وحرفية عالية، ترتد سلباً وتأتي بنتائج عكسية، وليس الشِّعر فقط هو الذي صعب وطويل سُلّمه، فالإعلام كذلك، إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه، زلّت به إلى الحضيض قدمه، فهل نلتفت إلى إعلامنا، فالأزمات تترى، ونحن في زمن الحروب الإعلامية الشرسة، فهل من وقفة جادّة؟!